يكفي عبد الرحمن الأبنودي جمع السيرة الهلالية، لتخليده كمنقذ ل"إلياذة" العرب، سيرة بني هلال. تلقى الخال دعوة من المؤرخ التونسى «طاهر قيقية»، عام 1972، الذي جمع شذرات السيرة من جنوبتونس، مكملًا دور والده، عبدالرحمن قيقية، لزيارة تونس والعمل على إنقاذ ملحمة بني هلال. لبى الأبنودي الدعوة، ونقلها من حالة جزئية، إلى مشروع قومي، واظب عليه لمدة 25 عامًا، زار خلالها كل أرض وطأتها أقدام بني هلال. بداية من شبه الجزيرة العربية، حيث مسقط رأسها، مرورًا باليمن والجزائر والسودان ونيجيريا وإسبانيا ومصر، وبتونس التي منحته وسامها الأول للثقافة والفنون. هو ابن لها، حفظ ما تيسر منها لمنشدي الصعيد، ومنها تشرب المعين اللغوي الأول لشعره، وحين أتم مشروعه وثقه صوتًا، عبر حلقات إذاعية متتالية، على أنغام ربابة أهم رواتها الشاعر جابر أبوحسين. ثم أصدرها مطبوعة في خمسة أجزاء. مثل الخال وجابر أبوحسين، حالة فريدة، حتى رحل الأخير عام 1980، لكن الأبنودي بدأ توثيقها صوتيا في إذاعة الشعب، بداية السبعينيات مع ربابة سيد الضوي، وسمع بعدها عن جابر أبوحسين، الذي اشتهر وذاع صيته في الصعيد، فذهب إليه الأبنودي في سوهاج، واتفق معه على التسجيل وانتقلا للقاهرة وسجلت له الإذاعة لمدة شهر، كل يوم خمس ساعات، يستهلها بجملة الأبنودى التي أصبحت شهيرة: قول يا عم جابر. ثم سجلها للتليفزيون مع أهم شعرا السيرة المعاصرين، سيد الضوي الذي حفظها على يد والده الضوي الكبير، وجابر أبوحسين في حلقات سجلها رواية وتفسيرًا وشرحًا وغناءً، في سهرات رمضانية ببيت السحيمي، للتليفزيون المصري، لتكتمل في 135 حلقة. كان الأبنودي يحلم بحفظ السيرة لتتعلم منها الأجيال تاريخها، لكنه رحل قبل أيام من تحقيق حلمه بافتتاح "متحف السيرة الهلالية"، في جنوب محافظة قنا، الذي تأجل أكثر من مرة، حرصًا علي مشاركة الخال في افتتاحه بنفسه، فيما قرر وزير الثقافة عبد الواحد النبوي أن يحمل المتحف اسم الأبنودي، تكريمًا لذكراه، ودوره في جمع السيرة وحفظها للأجيال القادمة. تعود أحداث السيرة إلى العصر الفاطمي، وتحكي عن هجرة القبيلة اليمنية، بني هلال، وترحالها من شبه الجزيرة العربية إلى مصر. ملحمة تغطّي مرحلة تاريخية تبدأ بسيرة الزير سالم، جِدّ الهلالية، وتمتدّ لتشمل تغريبتهم وخروجهم إلى شمال إفريقيا، والصراع المحتدم بين فرسانها، على رأسهم أبوزيد الهلالي، وبين ملوك الأقاليم التي حطوا فيها رحالهم وأشهرهم الزناتي خليفة. سيرة حافلة بدراما، اسبغت عليها المخيلة الشعبية الكثير من الولع بقصص الأبطال الأسطورية والغرام المتأجج، وأضفت عليها ثوبًا فضفاضًا باعد بين الأحداث والواقع وبالغ في رسم الشخصيات. وتتفرع قصص كثيرة من السيرة الهلالية، كقصة الأمير أبوزيد الهلالي.