ثلاث ليال في بيت السحيمي بشارع المعز، حملت لجمهوره عالمًا آخر مع حكايات عن الزير سالم وبطولات و فروسية أبو زيد الهلالي سلامة وغرام عزيزة ويونس، قدمها بيت السحيمي في إطار برنامجه الفني الرمضاني مع الراوي والشاعر الشعبي "سيد الضوي" أهم وآخر شعراء ورواة السيرة الهلالية العظام الذين حفظوها عن الأجداد، وصاحبته فرقته التي تضم احفاده الفنانين أشرف وقرشي ورمضان الضوي والفنانين خليفة سمان وخالد رفعت، بآلات الإيقاع والربابة والدف. كعادته بدأ "الضوي" بمديح الرسول والدعاء لمصر وفواصل من الموسيقى الشعبية، لينتقل إلى إنشاد ورواية مقاطع من السيرة، فيما تتعالى صيحات الجمهور مع المقطع الشعري الأثير للكثيرين "أوعى تقول للندل ياعم، وإن كان على السرج راكب، ما حد خالي من الهم، حتى الزعف في جريدة". قدم "سيد الضوي" في إطلالته القصيرة على جمهور القاهرة أجزاءً من السيرة الهلالية برواية أهل صعيد مصر، ورغم سنه الذي يقترب من ال80 عامًا مازال يحتفظ ببهاء ومهارات الراوي الحكاء، فالشيخ الأمي الذي يحفظ السيرة المليونية يبهر جمهوره أيضًا بخفة الروح وانطلاق صوته وأدائه الدرامي. "الضوي" هو صاحب التسجيل المصور الأشهر للسيرة في الحلقات التليفزيونية التي سجلها بصحبة شاعرنا الكبير جامع السيرة عبد الرحمن الأبنودي، وكما جمع الأبنودي السيرة على مدار ثلاثين عامًا ووثقها بصوت أشهر رواتها جابر أبو حسين، سجلها للتليفزيون المصري مع الراوي سيد الضوي في برنامج للقناة الاولى قبل اربع سنوات في 135 حلقة، من غعداد الكاتب والمخرج سيد فؤاد، فيها يشرح الابنودي الاحداث ويرويها الضوي شعرًا وغناءً وعزفًا على ربابته. "سيد الضوي" هو ابن محافظة قنا التي حفظت تراث الهلالية برواية أهل الصعيد ومنها جاء شاعرنا عبد الرحمن الأبنودي و"الضوي" الكبير، الذي تعلم على يديه سيد الضوي وغيرهم، وتختلف السيرة عندهم عن رواياتها الأخرى في محافظات بحري وتفوقها جمالاً وتألقًا مع اللهجة وطريقة الأداء الصعيدية. فيما تعود أحداث السيرة إلى العصر الفاطمي وتحكي عن هجرة القبيلة اليمنية بني هلال وترحالها من شبه الجزيرة العربية إلى مصر ومنها إلى تونس، حافلة بدراما أصبغت عليها المخيلة الشعبية الكثير من الولع بقصص الأبطال الأسطورية والغرام المتأجج فيما لا تخلو من الموعظة والعبر والتشبيهات المأخوذة من التراث الديني. وتختلف كل منطقة في تراثها الشفوي المحفوظ من السيرة الهلالية التي حظيت بما لم تحظ بها غيرها من السير الشعبية من شغف الجمهور بها والاهتمام بحفظها ونقلها، عابرة للحدود الجغرافية وللزمن لتبقى للأجيال ملحمة حفظتها الذاكرة الشفوية كوثيقة تعكس صورة المزاج العربي ومفاهيمه عن البطولة والحب والشرف والفروسية وغيرها من القيم التي توارثتها الشخصية العربية لتصير كبرى الملاحم الشعبية العربية التي يشبهها البعض بالإلياذة اليونانية.