"بعد المديح في المكمل، أحمد أبو درب سالك، أحكي في سيرة وأكمل، عرب يذكروا قبل ذلك، سيرة عرب أقدمين، كانوا ناس يخشوا الملامة، رئيسهم أسد سبع ومتين، يسمى الهلالي سلامة"، مقدمة غنائية التف حولها الملايين من عشاق حكايات بني هلال الذين يجوبون بلدان العرب ولقاء "أبو زيد الهلالي" مع الزناتي خليفة، والتي كان العرب يتداولونها منذ آلاف السنين، قبل أن تصل إلى صعيد مصر حيث أغاني الشعراء على الربابة، وقبل أن يجيء "الخال" ويخلق منها ملحمة غنائية تجمع ذلك التراث المتناثر. رحلة الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي مع السيرة الهلالية مع بداية عقد الستينيات، حينما عكف على جمع تلك السيرة من رحم مجتمعه الصعيدي الذي انتشرت بداخله تلك الحكايات منذ عقودٍ طويلة، إلا أنه قرر أن يكون سباقا في ذلك الصدد من خلال سفره إلى تونس لمدة سنواتٍ طويلة استطاع بعدها صياغة "السيرة الهلالية" عبر 5 مجلدات انقسمت ما بين "خضرة الشريفة، أبوزيد في أرض العلامات، مقتل السلطان سرحان، فرس جابر العقيلي وأبوزيد وعالية العقيلية". الأبنودي لم يكتف بأن يكون أول من جمع السيرة الهلالية مكتوبة، بل قرر أن يفعّل حلمه إلى إلقاء مسموع لتلك الملحمة التراثية عن طريق تسجيل شرائط متعددة يروي فيها الملحمة بصوته دون أي تدخل أو انقطاع، ويحكي رواية "أبو زيد وخليفة" التي انتهت بمقتل الأخير. الإذاعة المصرية، كانت بوابته التالية لترسيخ تراثه، لتصبح "السيرة الهلالية" مسلسلة إذاعية يرويها عبدالرحمن الأبنودي ويغنيها جابر أبو حسين المعروف لدى أهالي الصعيد ب"عم جابر"، لتكون عوضا عنهم في عقد الثمانينيات عن ذلك الشاعر الذي اختفت ربابته وحكاياتها. الحلم قد يتأجل ولكنه لا يتوقف، فها هو الشاعر عبدالرحمن الأبنودي يجلس هذه المرة في أحد أستديوهات التليفزيون ليسجل 90 حلقة يروي فيهما "السيرة الهلالية" بأكملها في عام 2010، من إنتاج قطاع الأخبار بالتليفزيون المصري الذي أراد إعادة جمع "السيرة الهلالية" لتصبح وثيقة مصورة من ذلك التراث، قصصا كثيرة منها رجوع كل بني هلال من نجد والحجاز إلى العراق ثم الاتجاه إلى تونس، إلا أن تلك المرة رافقه فيها الشاعر سيد الضوي الذي قدم معه الروايات، وكانت المقدمة من غناء النجم محمد منير الذي تغنى بنفس كلمات "عم جابر". الحياة أبت أن تنتهي بغير حلمٍ آخر يتشبث به "الخال"، فقد كان متحف "السيرة الهلالية" هو آخر ما تعهدت به وزارة الثقافة لتحقيق حلم الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، وكان يفترض افتتاحه عقب أيام، وتضم المكتبة مجلدات وكتبا وأشرطة كاسيت للرواية الأصلية للسيرة الهلالية، ودواوين الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، و132 شريطًا يوثق لرواة السيرة الهلالية، وتعليقات الشاعر عبدالرحمن الأبنودي عليها.