العلاقات الدولية والمصالح السياسية لا تعرف الثبات أو الاستقرار، بل دائما ما تتقلب فأعداء الأمس هم حلفاء اليوم، وهذا ما حدث بين الرياضوالقاهرة خلال ستينيات القرن الماضي تحت قيادة الرئيس الراحل "جمال عبدالناصر" الذي كانت تعاديه السعودية، نظرا لدعوات التحرير والاستقلال التي كان يتبناها وإسقاط الملكية وإعلان الجمهورية، لاسيما بعد أن اقتربت منها هذه الدعوات في اليمن عام 1962، لكن الرياض اليوم تتحالف مع القاهرة تحت قيادة "عبد الفتاح السيسي" ضد اليمن. وفي هذا السياق؛ قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن العدوان الذي تقوده السعودية ضد اليمن، ليس الأول من نوعه، مضيفة أن أرض اليمن دائما ما كانت رهينة صراعات القوى الإقليمية بمنطقة الشرق الأوسط، موضحة أن ما حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية يذكرنا بآخر مرة تحولت فيها صنعاء إلى رهينة صراعات القوى الإقليمية. وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أنه في خريف عام 1962، كان الملك "سعود بن عبد العزيز" يراقب القوات المصرية وهي تتدفق إلى اليمن، حيث شهدت القاهرة ثورة امتدت لعشرة أعوام قبل أن تتحول القاهرة من صديق خلال الفترة الملكية إلى جمهورية معادية تحت قيادة الرئيس المصري "جمال عبد الناصر". وتضيف "نيويورك تايمز" أن الرئيس الراحل " عبد الناصر" حاول تصدير الثورة المصرية على امتداد الشرق الأوسط، مثيرا الرعب في قلوب الأنظمة الملكية في بغدادوصنعاء وباقي الممالك بالمنطقة، وفي عام 1956م وقعت المملكة الأردنية تحت سيطرة قوى موالية ل"عبد الناصر"، وفي عام 1958 انهار النظام الملكي في العراق، وفي نفس العام أعلن "ناصر" عن تشكيل الوحدة بين مصر وسوريا، وذلك تمهيدا لإنشاء امبراطورية عربية قومية. وتوضح الصحيفة الأمريكية أن السعوديين أرادوا حينها وقف المشروع المصري قبل أن يصل إلى الرياض، لذلك مولوا محاولة فاشلة لاغتيال "عبد الناصر" وتآمروا لتفكيك الوحدة المصرية السورية وعدم نجاحها. وتشير "نيويورك تايمز" إلى أنه بعد عام واحد، قامت مجموعة من الضباط اليمنيين، بدعم من أجهزة المخابرات المصرية بانقلاب في صنعاء، حيث أسقطوا النظام الملكي في اليمن وأنشأوا نظاما جمهوريا، وترى الصحيفة أنه بالنسبة ل"عبد الناصر" شكل الانقلاب في اليمن فرصة لإطلاق سلسلة من ردات الفعل الثورية في الخليج العربي التي كان من شانها إسقاط أسرة "آل سعود" الحاكمة بالرياض. السعوديون الذين كانوا يخشون من فكرة وجود الجيش المصري المعادي في حديقتهم الخلفية، قرروا أن يدعموا النظام الملكي في اليمن بكميات كبيرة من السلاح والذهب، أعقب ذلك حربا أهلية طويلة، انتهت بانسحاب المصريين من اليمن وذلك بعد حرب عام 1967، في ذلك الوقت كان عدو السعودية الأول هي مصر بقيادة "ناصر"، التي سعت إلى تطويع موجة الثورة العربية وانتشار نفوذها فوق ركام الملكيات الساقطة في منطقة الشرق الأوسط، أما اليوم فخصم السعودية الأبرز هي إيران التي ناورت بكل مهارة فوق حطام ما يُعرف بالربيع العربي. وتلفت الصحيفة إلى أن الأمر لم يتغير منذ ستينيات القرن الماضي وحتى الآن، فساحة الصراع الرئيسة ما زالت هي اليمن الدولة الفقيرة الراكدة التي تنبع أهميتها من قربها الجغرافي من السعودية ومضيق باب المندب ذو الأهمية الاستراتيجية على البحر الأحمر، ومرة أخرى فإن مواجهة الخصوم في اليمن أدت إلى تحرك السعودية هذه المرة تحت قيادة العاهل الجديد "سلمان" وابنه الطموح "محمد بن سلمان"، لكن هذه المرة لم تكن القاهرة عدوا لها كما جرى خلال عهد "عبد الناصر"، بل أصبحت حليفها الأول في تنفيذ عملية "عاصفة الحزم" ضد اليمن، أي أن تواجد قوات الجيش المصري الذي كان يثير قلق الرياض سابقا، أصبح أمرا تدعمه السعودية اليوم.