الإعلام المصري يهاجم الملك الجديد.. بن عبدالعزيز يعيد «نصير مرسي» لإمامة الحرم.. مناورات «مرجان 15» تزيد التكهنات.. وسياسيون: «مؤتمر مارس» يحدد قبلة «سلمان» مرت العلاقات السياسية بين مصر والسعودية، بمراحل من التقارب والتباعد على مختلف الأصعدة والأنظمة المتعاقبة، حيث سارعت السعودية بالوقوف بجانب النظام المصري الانتقالي، عقب إطاحة الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وقت أن كان وزيرًا للدفاع، بالرئيس المعزول محمد مرسي، في وقت كانت السعودية أكثر عداوة لنظام الإخوان، وكانت المملكة من أوائل الدول التي قدمت التهنئة للرئيس المؤقت عدلي منصور، ومضخة التمويل الخارجي لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلا أنه برحيل الملك السعودي عبدالله آل سعود وتولي الملك سلمان بن عبدالعزيز، أثارت تصريحات منسوبة للأخير قلقًا مكتومًا لدى النظام المصري، جاء منها على لسان الملك سلمان: "سأظل مساندًا للرئيس الشرعي محمد مرسي قبيل ال30 من يونيو.. لعبت المملكة دورًا لم أكن راضيًا عنه في مصر، هناك أناس ظلمناهم كثيرًا، وسأعمل على إصلاح ما أفسدناه.. مساعدة مصر مشروطة بالتصالح مع الإخوان"، الأمر الذي فسره مراقبون بتوقعات بتغيير في السياسة السعودية تجاه مصر في المستقبل القريب. ونبرز في هذا الملف أبرز المحطات في العلاقة التاريخية بين البلدين.
تجربة 23 يوليو والقطيعة السعودية لمصر امتدت تجربة 23 يوليو من مصر إلى كل البلاد العربية، وشكلت بمجملها مركزًا داعمًا لقضايا التحرر الوطني في كثير من البلدان العربية كالجزائر والعراق والسودان وليبيا وفلسطين، أعقبتها توترات عربية مصرية بين الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر وقيادات عربية أخرى بسبب الخلاف الذي حدث نتيجة حرب اليمن، ففي عام 1962 كانت الشرارة الأولى لبدء الأزمات بين مصر والسعودية، حين أرسل عبدالناصر وقتها القوات المصرية لدعم الثورة اليمنية بعد تولي الامام البدر الحكم. وكان سبتمبر عام 1962 بداية الانقلاب الذي انطلق بقيادة اليمني عبد الله السلال ذو الفكر الناصري، ومع تصاعد الأحداث بدأت مصر في إرسال قواتها لدعم الانقلاب وتثبيت نظام الحكم الجديد فكانت البداية بإرسال قوات مصرية بدأت بكتيبة وانتهت بتعداد متغير من 50 ألفًا إلى 120 ألفًا عبر الأعوام 1962 إلى 1970 حين غادر اليمن آخر جندي مصري رسميًا. وكانت السعودية قد أيدت الإمام البدر خوفًا من انتقال الثورة إليها، الأمر الذي تكرر إبان ثورة 25 يناير 2011 وهو ما أدى إلى توتر العلاقات المصرية السعودية، وأنفقت مصر بسببها أموالاً طائلة على هذه الحرب وخسرت آلاف الجنود، فكانت حرب اليمن من أسباب هزيمة مصر في يونيو 1967 ولم تنتهِ الأزمة بين مصر والسعودية التي كانت تحاول بكل ما تملك إعاقة التجربة الناصرية إلا في أواخر حياة عبد الناصر في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز حين انتهت الأزمة بالصلح في مؤتمر الخرطوم، عندما ساهمت السعودية في نقل الجيش المصري من اليمن.
حرب أكتوبر والدعم العربي لمصر ظلت الأوضاع المصرية السعودية على خير ما يرام منذ وفاة عبدالناصر وقدوم الرئيس أنور السادات لتصل العلاقات بين البلدين لأزهى مراحلها من خلال الدور البارز الذي لعبته السعودية في حرب أكتوبر 1973 بعد قيامها بقطع إمدادات البترول عن الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا فكان له بالغ الأثر في الانتصار المصري ودليل على التعاون بين البلدين. فيما تعددت صور المساعدات العربية لمصر بعد حرب أكتوبر وكان أهمها التمويل المباشر لتغطية صفقات سلاح وقطع غيار حربية لازمة للقوات المسلحة المصرية والقروض التي تمنح عن طريق صناديق التمويل العربية لتمويل مشروعات محددة في مصر والودائع وبصفة خاصة ما أودعته السعودية والكويت في البنك المركزي بصورة عاجلة كمعونة لمصر لمواجهة أزماتها الاقتصادية والاستثمار العربي.
زلزال كامب ديفيد إلا أنه فيما بعد، جاءت اتفاقية كامب ديفيد لتعصف بالاستقرار بين مصر والبلاد العربية، خاصة السعودية، حيث قررت السعودية في 23 من إبريل 1979 قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، وفي اليوم التالي قررت السعودية والكويت إلى جانب قطر والإمارات وقف تقديم المساعدات الاقتصادية لمصر إلى أجل غير مسمى، وقامت السعودية بقيادة الدول العربية لعقد ما سمى ب "جبهة الرفض" في العراق، تم فيه تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية، ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس ونتج عن هذه الاتفاقية حدوث تغييرات على سياسة العديد من الدول العربية تجاه مصر وذلك في الفترة ما بين أعوام 1979 إلى عام 1989، وصدرت قرارات بمقاطعة مصر اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. واستدعت مصر سفراءها من سبع دول عربية هي السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وتونس، وقالت الخارجية المصرية حينها إنها اتخذت هذا القرار نظرًا لما صدر عن حكومات هذه الدول من تصرفات لا تتفق مع مقتضيات التضامن العربي. وأخذت التعليقات في الصحف العربية تشير إلى أن قرار السعودية بقطع العلاقات مع مصر "قد حرم الرئيس السادات من كفالة أقوى دولة عربية معتدلة ومن المعونة المالية الأساسية التي كانت تغدقها عليه، وبات عزل مصر عن العالم العربي شبه كامل سواء على الصعيد السياسي والدبلوماسي أو على الصعيد الاقتصادي". وبقطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية ومصر، وصلت علاقات البلدين إلى أدنى نقطة لها منذ بداية عهد الرئيس السادات الذي شن هجوما على من أسماهم "بحكام السعودية " مؤكدا أن موقف السعودية من حملة قطع العلاقات يعود إلى الاحتجاج على أمريكا، لأنها تخلت عن شاه إيران ويمكن أن تتخلى عنهم، وإثبات زعامة لا يستطيعون تحمل مسؤولياتها أمام العالم العربي.
الترابط الملكي مع نظام مبارك ومع تولي الرئيس الأسبق حسني مبارك بدأت العلاقات تتحسن تدريجيًا حتى وصلت لصورة كشفت مدى الترابط بين العائلة المالكة ونظام مبارك خاصة ما قيل عن لجوئه للإقامة في السعودية أو عرض الجانب السعودي لدفع الأموال الطائلة نظير خروج مبارك من محبسه، خلال ثورة 25 يناير. وشهدت العلاقات بين البلدين توترًا منذ سقوط نظام مبارك، تمثلت في تحفظ المملكة على دعم الاقتصاد المصري، واتخاذها إجراءات متشددة ضد المعتمرين والحجاج المصريين، وهو ما أصاب العلاقات بحالة فتور لم تكن موجودة من قبل.
30 يونيو.. وصراع خليجى على مصر من خلال التفاعل مع الحدث المصري الحالي لعبت ولا تزال كل من قناتي "الجزيرة" القطرية حتى بعد إغلاقها، و"العربية" السعودية دورًا كبيرًا جدًا في بلورة الخلاف الكبير بين السعودية وقطر وأظهر للعلن الحقيقة الخفية للصراع بين الدوحةوالرياض على الغنيمة المصرية، وهو الأمر الذي أكده الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة "أن هناك متناقضات سعودية قطرية، فلو اتجهت السعودية إلى اليمين ستسير قطر باتجاه اليسار، لأسباب تتمثل في البحث عن زعامة عربية لقطر ورغبة في ركوب الثورات العربية وتعزيز النفوذ الإقليمي، لذلك وجدت في الإخوان حصان السبق الذي سيقودها إلى الزعامة الإقليمية". فقد ظهر جليًا دعم قطر الكبير للإخوان، هذا إضافة إلى تغلغل الإخوان ونفوذهم في "الجزيرة"، على عكس السعودية التي تسعى للإجهاز عليهم مهما كلف الأمر المتمثل في دعم الرياض اللا محدود ماديًا وإعلاميًا لانقلاب السيسي على الإخوان ونفي حدوث الانقلاب ومن ثم وصف الإخوان وأنصارهم بالإرهابيين بغية القضاء عليهم وحث المجتمع الدولي للوقوف في صف النظام في مصر. وفي مقارنة بين الاستثمارات السعودية في مصر في فترة ما قبل الإخوان وما بعدهم، يلاحظ أن الاستثمارات السعودية بلغت 12مليار دولار، بعد عزل مرسي.
تخوفات مصرية تجاه الملك سلمان ومنذ تولي الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز الحكم بعد وفاة الملك عبدالله، ازدادت التكهنات تجاه العلاقات المصرية السعودية، ما بين رفع السعودية يدها عن دعم نظام 3 يوليو، واستمرار الدعم غير المحدود من المملكة للقاهرة، إلا أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الغريم الحالي للنظام المصري، للملك سلمان، والأنباء المتداولة بشأن إيقاف فضائية "العربية" برامج تليفزيونية تتعلق بالشأن المصري، وإعادة الشيخ سعود الشريم المعروف بموقفه الرافض لعزل مرسي، لإمامة الحرم المكي، وتصريحات سابقة للملك السعودي الحالي نفسه حول موقفه من 30 يونيو، زادت من حدة التساؤلات بشأن مدى سير الملك الجديد على خطى ونهج سلفه تجاه مصر. كما كشفت الانتقادات التي ساقها إعلاميون مقربون من دائرة صناعة القرار لنظام السيسي، للملك سلمان صراحة، أبرزهم إبراهيم عيسى، ويوسف الحسيني، مدى تخوف النظام المصري من تغير الموقف السعودي الداعم لمصر، بعد إعادة ترتيب البيت في حكم المملكة.
"الفيصل": لا توجد مشكلة بين السعودية والإخوان وفي تصريحات مثيرة للجدل، قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إنه لا توجد مشكلة بين المملكة وجماعة الإخوان المسلمين، التي صنفتها الرياض على أنها جماعة إرهابية، إلا مع من يطلقون على أنفسهم أن "في رقبتهم بيعة للمرشد". جاء ذلك في مقال للكاتبة السعودية سمر المقرن في صحيفة الجزيرة السعودية، والذي نشر تحت عنوان "ساعتان مع سعود الفيصل". ونقلت "المقرن" عن "الفيصل" قوله خلال لقاء جمعه مع عدد من الكتاب "نحن نتعامل بصدق مع أعدائنا مثل ما نحن صادقون مع أصدقائنا.. يجب أن نكون صادقين مع العدو والصديق". وأضافت "المقرن" أن "الفيصل" قال: "ليس لنا أي مشكلة مع الإخوان المسلمين، مشكلتنا فقط مع فئة قليلة تنتمي لهذه الجماعة، هذه الفئة هم من في رقبتهم بيعة للمرشد". وقالت إنها توقعت أن يكون "الفيصل" أكثر تشنجا في التعليق على جماعة الإخوان، لكنه بحسب وصفها أثبت أنه بحق دبلوماسي بكل تفاصيل هذه الكلمة التي ليس كل من يحمل صفتها قادرًا على أن يحمل أوصافها.
"المؤتمر الاقتصادي" مؤشر لعمق العلاقات الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، قال إن العلاقات بين القاهرةوالرياض لن تتأثر لمواقف شخصية، لأن العلاقة بين مصر والسعودية علاقة استراتيجية قائمة على مصالح البلدين. وأضاف "نافعة"، ل"المصريون" أن التسريبات المزعومة التي أذاعتها قنوات مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين والمنسوبة للرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي تضمنت عبارات قاسية بحق دول وحكومات وقيادات خليجية، لن يكون لها تأثير في العلاقات، وقد يكون للتسريبات أثر ما، لكنه لن يكون بالدرجة التي ترغبها جماعة الإخوان المسلمين، بالتأثير على دفء العلاقات بين السعودية والنظام المصري. وأشار "نافعة" إلى أن التأثير في العلاقات سيكون مبعثه تغيير القيادة السعودية المتمثلة في تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم بعد وفاة الملك عبدالله، وارتفاع أسعار النفط العالمية، والأحداث الملتهبة في اليمن بعد الانقلاب الشيعي الذي قاده عبدالملك الحوثي، المدعوم من إيران، العدو الأول للملكة السعودية. وأوضح أن التغير في العلاقات المصرية السعودية لن يكون بالضرورة في اتجاه التراجع، فالمتوقع أن يسير التغير للأمام، لأن مصالح الأسرة الحاكمة والمملكة عامة ورؤيتها لما يحدث في العالم، لن يسمح بتغير الأوضاع بين البلدين للأسوأ. وبشأن وقف السعودية برامج تتعلق بالشأن المصري على فضائية العربية، قال "نافعة" إنها أمور بسيطة لا تؤخذ على محمل قوي. وأكد أن دور السعودية في المؤتمر الاقتصادي، المزمع عقده في مصر، في وقت لاحق بعد شهر، سيكون مؤشرًا قويًا لمعرفة مدى قوة وترابط العلاقة بين البلدين، في ظل المصالح المشتركة بينهما، خصوصا الأمنية، وتلك المتعلقة بالأوضاع اليمنية، والجهود المبذولة لحل الأزمة السورية. واسترسل "نافعة" أن قطر وتركيا والإخوان في تحالف استراتيجي سيستمر لفترة طويلة، وبإمكان السعودية أن تلعب دورًا في توطيد العلاقات المصرية مع هذه الأطراف، أو أن تستمر في وضعها المحوري بين كل الأطراف. وفي السياق ذاته، قال اللواء محمد علي بلال، الخبير العسكري والاستراتيجي، إن العلاقات المصرية السعودية على أعلى مستوى، ولن يطرأ عليها أي جديد بعد وفاة الملك عبدالله آل سعود، وأكبر دليل على ذلك المناورات البحرية المشتركة بين البلدين في البحر الأحمر "مرجان 15"، بالإضافة إلى تأكيدات الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز نفسه، على عمق العلاقات وعدم تأثرها بشيء. وأضاف ل"المصريون" أن إلغاء برامج تليفزيونية سعودية تتعلق بالشأن المصري، لا يعني بالضرورة ضرب العلاقات في مقتل، كما أنه يجوز أن تكون السلطات المصرية طلبت من نظيرتها السعودية تعطيل برنامج تلفزيوني ما، لا يؤدي دوره بشكل جاد، كما طلبت من عدة دول تعطيل البرامج التي تدعم الإرهاب، وما يهم فقط هو التعاون في المناحي السياسية والاقتصادي والعسكرية. وأشار إلى أن المؤتمر الاقتصادي المنعقد في الشهر المقبل، سيكشف ما إذا كانت السعودية ستعيد من سياستها تجاه مصر أم لا، وهل تأثر بتغير القيادة السياسية والأوضاع الدولية أم لا. وبشأن التخوفات من التقارب القطري التركي السعودي، نظرا لدعم قطر وتركيا للإخوان، أوضح "بلال" أن السياسة القطرية تجاه مصر لم تضح معالمها بعد، وأضاف: "بعض الدول، بعد وفاة الملك عبدالله وتولي الملك سلمان، تحاول إيجاد الفرقة بين مصر والسعودية، بمحاولة تسريب شائعات مزعومة على غرار التسجيلات التي نسبتها قنوات إخوانية للرئيس السيسي". وفيما يتعلق بالمؤتمر الاقتصادي المنعقد في مارس المقبل لدعم الاقتصاد المصري، قال "بلال" إنه يتوقع نجاح المؤتمر، رغم المحاولات الكثيرة التي يقوم بها معارضو النظام المصري، بإلغائه أو تأجيله، وأن الأحداث التي وقعت بمحيط استاد الدفاع الجوي، خلال مباراة الزمالك وإنبي، والتي راح ضحيتها العشرات من شباب الألتراس، من ضمن تلك المحاولات بجانب العمليات الإرهابية في سيناء، حتى تبدو مصر وكأنها دولة غير مستقرة. وذكر أن المؤتمر الاقتصادي ما هو إلا جذب للاستثمارات، وليس لبناء الاقتصاد المصري، وأن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمصر بادرة حسنة لنجاح المؤتمر، بجانب التقارب الروسي الصيني وتأثير سوقهما الرائج على مصر، للدلالة على عدم فشل المؤتمر. وتابع أنه إذا حاول آخرون لم يسمهم إفشال المؤتمر، سيكفي ما حققه الجانب الروسي مع مصر، في ظل حاجة مصر لتطوير توربينات السد العالي ومصانع حلوان، والغزل والنسيج في المحلة، فمصر تحتاج روسيا أكثر من أي وقت مضى، ويكفى المشروع النووي الذي أعلن عن تدشينه خلال زيارة الرئيس الروسي، والذي سيجري تنفيذه في مصر.