الجمعيات التي تتحدث باسمنا أخذت الإعاقة "سبوبة" ذوي الإعاقة الذين يظهرون في الإعلام "شلة من النصابين" الاهتمام بذوي الإعاقة في مصر رهين ثقافة الأشخاص وليس مؤسسات «أبيض، أسود، أحمر»، داخل هذه الألوان الثلاثة يعيش فنان يبلغ من العمر الآن 32 عامًا، ولد كفيفًا لأب وأم من أسرة متوسطة الحال، منحه ولده الثقة في النفس فلم يفرق يومًا بينه وبين أقرانه، ليس لأنه فاقد للبصر يُعامل أفضل منهم أو أنه بركة في البيت -كما تتعامل سائر الأسر المصرية مع ذويهم من أصحاب الإعاقات المختلفة- بل عامله الأب أنه إنسان كامل لا ينقصه شئ، حينها أدرك الابن أن الإعاقة الحقيقة ليست في فقدان البصر بل في فقدان البصيرة والإرادة. من حسن الحظ قابلت هذا الشخص لأقترب أكثر من عالم ذوي الإعاقة، لكن عند رؤيته للوهلة الأولى أندهشت، هو لا يرتدي نظارة سوداء أو يمسك عصا تمهد له طريقه كسائر ذويه من المكفوفين، لم يمهلني فضولي أكثر من ذلك وسألته: لماذا لا ترتدي نظارة أو تمسك بعصا تسهل عليك طريقك؟، ببتسامه أجابني «لم أتدرب على العصا ولا أريدها لأننا نعيش في مصر، فكثيرًا من زملائي الذين يمسكون العصا يعاملون بأسلوب سيء وغير لائق، فمثلًا نجد شخص يقترب من ماسك العصا ويعطي له نقود كأنه شحاذ أو متسول، فلكي أن تتخيلي أن يحدث هذا معي، حينها تعتقدي كيف يكون شعوري وأنا أعمل في مكان مرموق وألبس جيدًا؟، أما النظارة عدم ارتداءها أفضل لي». يبدو لو قلنا أن هذا الشخص الكفيف رسم عشرات اللوحات الفنية، وفاز بجائزة لجنة التحكيم من صالون الفن الخاص مرتين، وحصل على درع مهرجان نجوم العطاء الذي نظمته قناة العطاء في الكويت وغيرها من الجوائز الأخرى، يتعجب البعض ويساءل: كيف؟، كيف هذه كي نعلم إجابتها علينا الاستماع إلى الفنان التشكيلي أحمد ناجي صاحب العديد من الأعمال الفنية الإبداعية. «ولدت كفيفًا، والتحقت بإحدى المدارس الخاصة للمكفوفين، حتى حصلت على ليسانس الآداب قسم التاريخ في جامعة عين شمس عام 2005، حينها سمعت عن مدرسة الوعي الآثاري للمكفوفين بالمتحف المصري، ورغبت في العمل بها لكن كان الأمر صعبًا في البداية، فعملت كمتطوع وقامت بتدريبي على الإرشاد الأثري الدكتورة هالة الصديق- مديرة المتحف الأسبق، حتى تمكنت واجتازت مرحلة التدريب وأصبحت مرشدًا لغيري من المكفوفين، وهو شئ ممتع جدًا فأن يرشد كفيف شخص مثله ويعرفه بآثار بلده عملًا قيمًا وممتع في آن واحد، وأصبح العمل بالنسبة لي رحلة جميلة أذهب إليها مع كل صباح». لم يكتفي «ناجي» بالإرشاد الآثاري، فعمل على تطوير مهاراته، ليدخل عالم الإعلام والصحافة، فتواصل مع عدد من الكُتاب الصحفيين وتعلم منهم فن الكتابة الصحفية، حتى صار المتحدث الإعلامي لمدرسة الوعي الأثري للمكفوفين، أيضًا عمل بمجال العلاقات العامة والتواصل مع المؤسسات الخاصة بذوي الإعاقة، دخول فنانا مجال الصحافة كشف له حقيقة تعامل عدد كبير من الإعلامين مع ذوي الإعاقة والذي عبر عنه بقوله: وسائل الإعلام بتتعامل مع تغطيات فعاليات ذوي الإعاقة كأنها بتغطي فرح، لدرجة أن إحدى المذيعات ذات مرة سألتني: أنت بتعمل إيه يا حبيبي في المدرسة، بتدرس أيه؟، وقتها قلت كيف أتصرف معها هل اتركها واذهب لكني قلت في نفسي أني سأكون قليل الذوق، فقررت أن أعمل حلقات اتصال بين ذوي الإعاقة ووسائل الإعلام من خلال إقامة العديد من الورش الصحفية واستدعاء إعلامين للمشاركه بها وذلك كي يدركوا طبيعية هذا العالم الخاص لذوي الإعاقة». رحلة «ناجي» مع الفن التشكيلي بدأت عام 2008 عندما عرفه الفنان عادل بدر على صالون الفن الخاص الذي ينظمه مركز سعد زغلول الثقافي التابع لقطاع الفنون التشكيلية، فشارك بالدورة الثانية للصالون بمنتجات نحتيه لكنها لم تلقى إعجاب الدكتور طارق مأمون مدير المركز، فطلب منه الرسم بالأصابع، فوافق ناجي وساعده «مأمون» في ذلك، إذ أحضر إليه العديد من المجسمات ليتلمسها ويرسمها، وفي هذا قال «ناجي»: رسمت لوحة فاظة الورد وفزت بها بجائزة لجنة التحكيم لصالون الفن الخاص في دورته الثالثة، هنا طلبت من «مأمون» تقيم أعمالي على أساس فني ولا يتم تقيمي على باعتباري كفيفًا ويرسم وهذا شئ يبهر. يتابع «ناجي»: بعدها رغب الدكتور مأمون أن يطور مني وعرفني على الفنانة رشا سليمان، التي وجدت بعض السلبيات في أعمالي، فقعدت لي برنامج «الرسم بالموسيقى» كان الهدف منه تضبط حركة يدي على اللوحة، واستعادة مخزون خيالي، وعلمت أن أتلمس الجسم المجسم ورسمه ليس فن، لأن الفن الحقيقي هو الذي يعتمد على الخيال، بعدها أقمت العديد من المعارض الفنية المشتركة والخاصة، وشاركت في مهرجانات فنية وفزت عنها بجوائز كثيرة، حتى أصبحت معروفًا الفنان التشكيلي المكفوف أحمد ناجي. عند الحديث مع «ناجي» تجده يعتز جدًا بتجربته الفنية مع الدكتور طارق مأمون، الذي يعتبره صاحب الفضل الأول عليه، فهو من أخرج المخزون والإبداع الفني منه، هنا سألناه عن تعامله مع وزارة الثقافة ومدى الدعم المادي والمعنوي الذي منحته إياه، فيقول لنا إن تجربته مع الوزارة جيدة، لكن علينا أن نعي أن معظم الأماكن التي تتعامل مع ذوي الإعاقة بشكل جيد، لا يرجع ذلك للثقافة السائدى في الوزارة، بقدر ما هو فكر وثقافة أشخاص، وعندما يتركوا هؤلاء الأشخاص هذه المؤسسات تنهار وتسقط وهذه هي المشكلة، يوضح قائلًا: مثلًا عندما رحلت الدكتورة هالة الصديق عن المتحف المصري لم تعمل مدرسة الوعي الآثري للمكفوفين بنفس الطاقة والحماس الذي كانت تعمل بها حينما كانت «الصديق» مديرة للمتحف. أيضًا نفس الحال في وزارة الثقافة إذا رحل «مأمون» عن مركز سعد زغلول، سيتوقف الاهتمام بذوي الإعاقة، كذلك الحال في إدارة التمكين الثقافي لذوي الإعاقة بهيئة قصور الثقافة، الذي أسسها شخص من ذوي الإعاقة البصرية «محمد زغلول»، لو خرج على المعاش سوف تسقط الإدارة، لذا دوماً أقول أن الاهتمام بنا فكر أشخاص وليس مؤسسات. بعد جولتنا مع «ناجي» وتجربته مع الفن التشكيلي، أراد أن ينهي لقاءنا معه برفع الستار عن شئ هام، إذ انتقلنا إلى نظرة المجتمع ورأيه في تعامله مع ذوي الإعاقة، وهنا فجاءنا أن المجتمع ليس وحده المسئول عن الصورة السيئة لهذه الفئة، بل هم أيضًا لهم دورًا في ذلك، قائلًا: هناك رموز كبيرة منا تسوء صورتنا في الإعلام، وهذا في حد ذاته عيب، لأن الناس المحترمة منا لم تظهر وتبعد عن المشهد، وللأسف الذين يتكالبون على المصالح "شلة من النصابين" من ذوي الإعاقة، وأيضًا هناك رؤساء الجمعيات التي تتخذ باسمنا آخذين الإعاقة "سبوبة".