ربما يعتبر البعض مجرد الإشارة لقصة كفيف يرسم عشرات اللوحات دون أن تبصر عيناه المناظر والألوان وأشكال الخطوط، ضرباً من الجنون، وقد لا يصدق آخرون أن الأذن وقوة الإحساس قد تكونان قناة شرعية بديلة عن العين لرسم صور الورد والمناظر الطبيعية وملامح الوجه، إلا أن الشاب أحمد ناجى أثبت أن الواقع أحياناً يفوق حد الخيال. الفضول هو أول ما دفع الشاب الكفيف لطريق غير محدد الملامح، سمع عن صالون فنى ينظِّمه مركز سعد زغلول للفن الخاص لاكتشاف الموهوبين من ذوى الإعاقة فى مجال الفن التشكيلى، فما خشى التجربة: «زيى زى مكفوفين كتير كنت باشتغل نحت بالطين الأسوانى اللى اتعلمته فى المدرسة، ولما رحت المركز عرضت شغلى على لجنة التحكيم وكان ماسكها طارق المأمون، مدير عام المتاحف القومية، وما عجبوش الشغل وقالى ما تيجى نجرب الرسم». بمجرد أن داعبت الكلمة أذنيه بدأ الحلم، ساعده أستاذه وأحضر له مجسمات بارزة بأشكال الطبيعة ووجوه الأشخاص ليتحسسها بأصابعه ويحفظها جيداً، ثم حانت لحظة التنفيذ، «كنت باستحضر الأشكال اللى حفظتها من ذاكرتى وأتخيلها وأترجمها على ورق بألوان الميه، وكنت باستخدم الأبيض والأسود غالباً». إعاقة ناجى (32 عاماً) جاءت منذ ولادته بنقيصة خلقية نتيجة لصلة القرابة بين والديه: «أنا اتعلمت فى مدرسة مكفوفين، ودخلت كلية آداب قسم تاريخ، وبعد التخرج اشتغلت فى المتحف المصرى مرشداً أثرياً للمكفوفين». «فازة الورد»، أول لوحة أعلنت عن مولد فنان تشكيلى له طابع خاص، أبهرت لجنة تحكيم مركز سعد زغلول الثقافى لحد منحه جائزة صالون الفن الخاص عام 2009، «فى المسابقة دى ماكنش فيه كفيف غيرى، بس كان عندى أمل كبير إنى هكسب». لم يخطئ من قال إن الموسيقى غذاء الروح، يذهب الشاب الكفيف مع أنغامها إلى عالمٍ بعيد يلتقى فيها بكل ما حرمته ظروفه رؤيته، «أنا قابلت الفنانة رشا سليمان اللى عملت لى برنامج تدريبى للرسم بالموسيقى، عشان أتخيل الصور وأحسها ببصيص الضوء اللى عندى»، ليستيقظ فى النهاية وينهى آخر ملامح لوحات تجسد الوجه الضاحك والباكى، وأخرى تنقل الذهن لطقوس رمضان حيث الفوانيس المعلقة دون أن تغيب الطبيعة عن فنه. وعن جوائزه.. حدث ولا حرج، حيث حصل الشاب الكفيف على درع الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2010، وجائزة صالون الفن الخاص فى دورته الثالثة من مركز سعد زغلول الثقافى لنفس العام، ودرع الهيئة العامة لقصور الثقافة عن المشاركة فى معرض تحديات الواقع وآفاق المستقبل، وجائزة تشجيعية من صالون الفن الخاص فى دورته الرابعة عام 2013، وحصل على مستوى العالم العربى على درع مهرجان «نجوم العطاء» من سفير دولة الكويت بالقاهرة، وأقام معرضاً خاصاً به تضمَّن 12 لوحة كأول معرض لفنان تشكيلى كفيف فى مصر، إلى جانب مشاركته بمعرض أُقيم فى أرمينيا عام 2012. لم يلتفت «ناجى» لبعض من استغربوا محاولاته، واكتفى بتشجيع أسرته وبعض الشموس التى مرت فى حياته، «انت اللى بتغير وبموهبتك تقدر تخلى الناس تنجذب لشغلك».