أعلن قائد حركة "بوكو حرام" النيجيرية، أبو بكر شيكاو، مبايعته لقائد تنظيم "الدولة الإسلامية"، أبو بكر البغدادي، وذلك في تسجيل صوتي نُسب إلى، بثته حسابات تابعة للحركة على مواقع التواصل الاجتماعي. وتأتي بيعة شيكاو للبغدادي كتحول مثير للانتباه في مسار حركة "بوكو حرام" التي نشأت منذ عام 2009 في شمال نيجيريا وارتكب مسلحيها عمليات قتل جماعية بحق سكان المنطقة، وسجلت حالات اختطاف بالآلاف، وأمتد مسرح عملياتها إلى بلدان مجاورة أهمها النيجروتشاد. وعلى الرغم من اتساع نطاق عمليات الحركة الإرهابية إلا أنها لم تواجه منذ نشأتها وحتى شهور قريبة بحسم من جانب الدول المعنية في أفريقيا أو خارجها، بل ظل هناك اعتقاد انها تنظيم تابع للقاعدة وأن عمليات القتل والخطف تأتي على خلفية أثنية وعرقية لطالما زخرت بها هذه المنطقة من القارة السوداء. نقطة التحول في مواجهة "بوكو حرام" كانت في أبريل 2014 بعد خطف مسلحي الحركة لمئات الفتيات من أحدى المدارس في ولاية برونو شمال نيجيريا، كذلك محاولات الحركة مد مسرح عملياتها إلى دول مجاورة، أعقب ذلك اتفاق ثلاثي برعاية الاتحاد الافريقي بين تشادونيجيرياوالنيجر، على أثره تشكلت قوة رسمية من الاتحاد الافريقي، إلا أن الفاعلية الكبرى في مواجهة مسلحي الحركة كانت من نصيب قوات إدريس ديبي، رئيس تشاد، الذي نجح في صد هجوم كبير لبوكو حرام تجاه حدود بلاده، أعقبه بهجوم مضاد ألحق بالحركة مئات القتلى. والجدير بالذكر أن في أغسطس من العام الماضي، وبعد أقل من شهرين من إعلان خلافة البغدادي في العراقوسوريا، أعلن شيكاو نفسه خليفة في نيجيريا، وهو ما أثار علامات استفهام حول انفصال مسار بوكو حرام عن مساري داعش أو القاعدة، حيث أنه في ذلك الوقت كان مصير الحركات الجهادية حول العالم أما الانضمام لداعش أو البقاء في كنف القاعدة، وهو ما حدا بمحللين أن يكون أمتداد البغدادي إلى افريقيا مؤجل وغير مطروح في المستقبل القريب بسبب خلافة شيكاو، وحتى أن تحولت بعض التنظيمات في مالي أو النيجر المنتمية إلى القاعدة لولاء للبغدادي فأن ذلك سيكون تكرار للاقتتال بين "جبهة النُصرة" و "الدولة الإسلامية". إلا أن مسار "خلافة" شيكاو لم تكن على قدر الأهمية في الفعل أو رد الفعل كخلافة البغدادي، فبالإضافة إلى أن شيكاو لم يصبح له مبايعين ومؤيدين حتى من التنظيمات الجهادية في شمال ووسط افريقيا، كانت بوكو حرام تعاني من ضربات عسكرية مؤثرة من جانب القوات الحكومية النيجيرية والتشادية. قد تكون بيعة شيكاو للبغدادي في هذا التوقيت مصلحة متبادلة تنقذ الطرفين من تعثر في التمدد لمناطق جديدة، فمن ناحية يضفي شيكاو بخطوته الأخيرة شرعية على تواجده وتواجد تنظيمه تحت مظلة "خلافة" أوسع وأكثر فاعلية، ومن ناحية أخرى سيكون هناك انتعاش معنوي ومادي ببيعة شيكاو للبغدادي كمثيله لما حدث في سيناء وفي ليبيا. ولإيضاح النقطة السابقة يجب التطرق إلى مفهوم البيعة بشكلها المستجد لتمدد التنظيمات الإرهابية، فأولاً تختلف مبايعة أبو بكر البغدادي وتنظيمه عن مثيلاتها التي كانت تُعقد لتنظيم القاعدة وقائديه السابق، أسامة بن لادن، والحالي، أيمن الظواهري، فالاختلاف العقائدي والفقهي بين نمطي البيعتين الذي يكمن -على سبيل المثال- في كون البيعة بالنسبة لتنظيم الدولة واجبة على كل مسلم وبالتالي من لم يبايع "الخليفة" فهو كافر وجب قتله، وهو عكس ما تحمله بيعة القاعدة، التي توصف بأنها بيعة على "الجهاد" لا الخلافة، حيث أن القاعدة وقائديها لم يعلنوها من الأساس وكتفوا بسقف "طرد اليهود والصليبيين من بلاد الإسلام"، ناهيك أنها ليست ملزمة لكل المسلمين ولا حتى ينظر لمن لم يبايع الظواهري على انه مرتد أو كافر، لكونها في الأساس مبايعة "انتقائية" للعازمين على السلوك في طريق "الجهاد". وبخلاف ذلك، فهناك اختلاف مهم بين البيعتين على المستوى العملياتي، كون أن المشروعين بالأساس مختلفان في مسألة "الخلافة"، وإعلانها حاليا؛ فمنذ تمدد تنظيم الدولة الإسلامية خارج العراقوسوريا إلى مصر ثم ليبيا، كان هناك تطور نوعي وتنظيمي في أداء المجموعات التي بايعت أبو بكر البغدادي، فمثلاً كان تنظيم "بيت المقدس" قبيل مبايعته للبغدادي يمتاز بعملياته المحدودة والمفاجئة والتي تعتمد على التفجيرات الانتحارية في الأساس، لكن بعد البيعة، وتحول أسم التنظيم إلى "الدولة الإسلامية –شمال سيناء"، رصد تطور كبير في أداء الإرهابيين، كانت ذروته العمليات المتزامنة التي شهدتها عدة مناطق في شمال سيناء مستهدفة أكثر من موقع للجيش وقوات الأمن، استخدمت فيها تكتيكات قتالية متنوعة شبيهة بتكتيكات التنظيم الأم في العراقوسوريا, مما دل وقتها على تغير في هيكلية التنظيم المحلي، وخضوع مسرح العمليات في سيناء بالنسبة للبغدادي بحسابات أكبر من حيز سيناء ذاتها، ففي الوقت الذي كُيل للبغدادي ضربات عسكرية ناجحة في العراقوسوريا، أتت عملياته الإرهابية في سيناء كرد فعل يحفظ ماء الوجه، وإعلان عن انتصار معنوي بتمدد تنظيمه رسمياً إلى بقعة جغرافية جديدة، أستهلها استهلها بإرسال مقاتلين وقادة جدد إلى سيناء بعد البيعة، وكان البغدادي قد أشار في أحد تسجيلاته الصوتية إلى قبول بيعة "أنصار بيت المقدس" ومدهم ب"العتاد والرجال" وذلك قبل نحو أربعة أشهر. غربا، وصلت في الحالة الليبية إلى ذروتها باحتلال مدن كاملة وإعلانها ولاية تابعة للدولة الإسلامية تحت مسمى "الدولة الإسلامية-ولاية طرابلس"، واتسام عمليات التنظيم هناك بسمة التخطيط لا العشوائية، سواء على المستوى العملياتي أو على المستوى السياسي، فمثلا مسار وتوقيت حادثة خطف وذبح العمال المصريين لم تكن من قبيل الصدفة، فكان الهدف منها إعلان استهداف وإحراج الحكومة المصرية لتضخيم تواجد التنظيم في ليبيا؛ مما أَهلّ بعد ذلك لأن تكون هناك امكانية عملية لتمدده في شمال ووسط إفريقيا، فبالإضافة إلى كون مسرح عملياته الجديد يُمهد لربط كافة التنظيمات التكفيرية في إطار جغرافي محدد في ليبيا التي تتوافر فيها مقومات اللادولة لتتهيأ كركيزة انطلاق وتحكم وسيطرة لشمال أفريقيا وإقليم الصحراء الكبرى الممتد من الصحاري المصرية وحتى سواحل الأطلنطي، أي من مصر ومروراً بليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وتشاد وصولاً إلى ماليونيجيريا حيث حركة "بوكو حرام" التي بمبايعة شيكاو للبغدادي تشكل ركيزة انطلاق للتنظيم في وسط أفريقيا، مماثلة لما كانت عليه الرقة ونينوى وفي سورياوالعراق. . قد تشكل افريقيا بشمالها ووسطها ساحة مثالية لتمدد التنظيم، الذي يعاني حالياً من انحسار في العراقوسوريا، ويطل في الأفق عملية تحرير الموصل، أكبر ثاني المدن العراقية التي شكل احتلالها على أيدي مسلحي التنظيم منتصف العام الماضي نقطة تحول مفصلية ليس في مسار التنظيم فحسب، ولكن على مستوى المنطقة والعالم ككل، استدعت استنفار دولي وإقليمي بهدف مواجهة انقسمت بين التحجيم وبين الإنهاء، وهو ما قد يفسر لجوء البغدادي إلى الأتجاه غرباً بعدما فشلت محاولاته في الاتجاه نحو وسط أسيا، حيث تتضاءل بشكل مستمر عوامل استمرار "ولاية خراسان" التابعة للتنظيم، حيث واجه البغدادي هناك مواجهة صلبة من حكومات هذه الدول وأجهزتها الأمنية، بالإضافة إلى أن المسرح "الجهادي" هناك مازال يخضع لحركة طالبان بشقيها الباكستاني والأفغاني، وكذلك تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى تجمعات قبلية أخرى. وعلى النقيض في شمال أفريقيا ووسطها لا يوجد تواجد قوي للقاعدة سوى بعض الدوائر الصغيرة في جنوبالجزائرومالي، معظمها يدين بالولاء للقيادات المحلية، لا القاعدة بشكل مباشر، ناهيك عن أن خلافة "شيكاو" الهزيلة والهزلية انتهت إلى غير رجعة وأعلن خليفها السابق مبايعته للبغدادي، مما يبشر بتعقيدات كبيرة في هذا الاقليم الجغرافي المتشابكة أطرافه السياسية، وذلك في ظل شائعات تقول أن البغدادي انتقل بالفعل بشخصه إلى ليبيا ليباشر بنفسه العمل هناك منطلقاً نحو ساحات تمدد جديدة مُهدت له دون أي جهد أو قتال. موضوعات متعلقة