لم يعد التقارب الأردني الإسرائيلي وتعزيز علاقات البلدين أمر تتناقله وسائل الإعلام فقط، بل دخل مرحلة التطبيق الفعلية مع توقيع عمان وتل أبيب على اتفاق تنفيذ مشروع ربط البحر الأحمر بالبحر الميت الأسبوع الماضي، حيث يعتبر التوقيع الأخير استكمالا لمذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين البلدين في واشنطن ديسمبر 2013 الماضي. يأتي توقيع هذا الاتفاق في وقت تشهد الساحة السياسية بمنطقة الشرق الأوسط العديد من الاضطرابات والتقلبات، فضلا عن المرحلة الحاسمة التي تعيشها المنطقة خلال الوقت الراهن، ما يعني أن العلاقات الأردنية الإسرائيلية دخلت فعليا مرحلة جديدة ومتقدمة، لا سيما وأن صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية أكدت مؤخرا على متانة العلاقات الاستخباراتية بين تل أبيب وعمان. مشروع ربط البحر الأحمر بالبحر الميت لا يمثل سوى مرحلة متقدمة من علاقات البلدين، نظرا لوجود عدة ملفات مشتركة تجمع تل أبيب وعمان أبرزها ظهور تنظيم داعش الإرهابي في العراق، حيث أكدت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية وعلى رأسها موقع "ديبكا" القريب من الدوائر الاستخباراتية أن ظهور داعش في منطقة الشرق الأوسط عزز من تقارب العلاقات بين الأردن وإسرائيل. خطورة المرحلة الجديدة التي تقف الأردن اليوم على أعتابها مع إسرائيل أنها تنعكس سلبا على القضية الفلسطينية ومستقبل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، خاصة مع تنفيذ مشروع ربط قناة البحر الأحمر بالبحر الميت، حيث يصب هذا المشروع في صالح الكيان الصهيوني من جميع الاتجاهات، سواء كانت تعزيز العلاقات الإستراتيجية مع الأردن، أو إحداث تغيير في الخريطة الديموغرافية داخل الأراضي المحتلة. مشروع ربط البحرين الأحمر والميت عبر قناة مشتركة يضمن للكيان الصهيوني تأمين احتياجاته من الطاقة والمياه على المدى البعيد، فضلا عن أنه قد تتخذه إسرائيل ذريعة للتواجد بالأراضي الأردنية من أجل مراقبة وتأمين هذا المتنفس البحري، أضف إلى ذلك محطات تحلية المياه التي سيتم إنشائها في الأردن تمنح الكيان الصهيوني فرصة هذا التواجد بشكل علني ودون خلاف. بخلاف مشروع قناة البحرين الذي أعلنت الأردن وإسرائيل عن بدء تنفيذه خلال الأسابيع القليلة المقبلة، يجري الحديث الآن عن صفقة تقضي بتزويد الكيان الصهيوني الأردن بالغاز الطبيعي لمدة 15 عاما، ما يعني أن العلاقات الاقتصادية بين عمان وتل أبيب تتجه نحو مزيد من الترابط والالتحام، أضف إلى هذا أن توقيع هذه الصفقة يعني بوضوح تقديم الدعم المادي لجيش الاحتلال الإسرائيلي وإطلاق رصاصته نحو الشعب الفلسطيني بثمن عربي مدفوع سابقا. تتضح الحفاوة الإسرائيلية بهذا التعاون مع الأردن عبر وسائلها الإعلامية ودوائرها السياسية، حيث أكدت وزارة الخارجية الصهيونية شهر يناير الماضي على ضرورة عدم إلغاء صفقة الغاز مع الأردن، وحذرت في رسالة بعثت بها إلى رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو" من عواقب ذلك، مشيرة إلى أن هذه الصفقة تفتح آفاقا جديدة للتعاون بين تل أبيب وجيرانها العرب، وبشكل خاص عمان والقاهرة اللتان وقعتا معاهدة سلام مع إسرائيل منذ عدة عقود ماضية. على الصعيد الشعبي، هناك رفض أردني وغضب واسع ضد هذا التعاون الذي يتنامى بشكل لافت خلال الفترة الراهنة، حيث من المقرر تنظيم عدة تظاهرات ومسيرات شعبية بالعاصمة عمان 6 مارس الجاري من أجل مطالبة الحكومة الأردنية بالتراجع عن إتمام صفقة الغاز الطبيعي مع إسرائيل، فضلا عن وجود حملات شعبية تجمع توقيعات المواطنين من الأردن والوطن العربي لمطالبة عمان بالتخلي عن الصفقة نظرا لما يترتب عليها من انعكسات تضر بالقضية الفلسطينية والأوضاع الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.