تزامنا مع موعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار واتفاقيه "مينسك" الموقعة بين روسياوأوكرانيا حيز التنفيذ، ووسط تفاؤلات إعلامية وسياسية غربية بتنفيذ الاتفاق، وتساؤلات أخرى حول جدية الطرفين في تنفيذه، يبرز على الساحة الهزيمة الجديدة التي ألحقها الانفصاليون بسلطات كييف في مدينة "ديبالتسيفي" الإستراتيجية شرق البلاد، بعد عشرة أيام من المعارك الطاحنة. أعلن الرئيس الأوكراني "بترو بوروشنكو"، الأربعاء الماضي، قبيل توجهه إلى الشرق الانفصالي، انسحاب قواته من ديبالتسيفي، وقال "بوروشنكو"، "هذا الصباح أنجزت القوات المسلّحة الأوكرانية والحرس الوطني عملية الإخلاء المخططة والمنظمة لوحداتنا العسكرية من ديبالتسيفي"، مضيفاً أنه "حتى الآن، خرجت 80 في المائة من قواتنا ولا نزال ننتظر موكبين"، وأوضح أن هناك "30 جريحاً فقط من أصل ألفي جندي أوكراني". بدأ تبادل وتراشق الاتهامات بين الطرفين، فقد تبادلت القوات الأوكرانية وقوات "الدفاع الشعبي" الاتهامات بخرق الهدنة في شرق أوكرانيا، وأعلنت وزارة الدفاع في "جمهورية دونيتسك الشعبية" المعلنة من جانب واحد في شرق أوكرانيا، أن القوات الأوكرانية خرقت نظام وقف إطلاق النار 12 مرة خلال ال 24 ساعة الماضية، مشيرة إلى أن نحو 20 من مقاتلي "الدفاع الشعبي" أصيبوا بجروح، وقال "إدوارد باسورين"، نائب وزير الدفاع في "دونيتسك الشعبية"، إن 40 عسكريا أوكرانيا قتلوا في ديبالتسيفي الليلة الماضية، وأصيب 50 آخرون بجروح. الجانب الأوكراني نفى صحة هذه المعلومات، وقال المتحدث باسم "دونيتسك الشعبية" "دينيس بوشيلين"، إن مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا سيتمكنون من زيارة منطقة ديالتسيفي بعد تطهيرها من الجماعات التخريبية، موضحًا أن دخول المراقبين الدوليين الآن غير ممكن لأسباب أمنية. من جهته أعلن المتحدث باسم العملية الأمنية الأوكرانية "أناتولي ستيلماخ"، عن 46 حالة لخرق الهدنة في دونباس خلال الساعات ال24 الماضية باستخدام المدفعية وراجمات القذائف، وقال "ستيلماخ" إن "90% من القوات الأوكرانية تمكنوا من الانسحاب من منطقة ديبالتسيفي". دخلت الدول الغربية على خط التراشق بالاتهامات، حيث أدان الاتحاد الأوروبي، "الانتهاك الواضح لوقف إطلاق النار"، وقالت وزيرة خارجية الاتحاد، "فيديريكا موغيريني"، إن "أفعال الانفصاليين المدعومين من روسيا في ديبالتسيفي تشكل انتهاكاً واضحاً لوقف إطلاق النار"، فيما دعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، "ينس ستولتنبرغ"، روسيا إلى سحب كل قواتها من شرق أوكرانيا ووقف دعمها الانفصاليين. في سياق متصل، اعتبرت باريس في مكالمة هاتفية بين الرئيس الفرنسي "فرنسوا هولاند" والمستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" والرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" والرئيس الأوكراني "بيترو بوروشينكو"، أن اتفاق مينسك الذي تضمن وقفاً لإطلاق النار "لم ينته"، مؤكدة أنه ستُبذل كل الجهود لإحيائه، كما أدانت الحكومة الألمانية سيطرة الانفصاليين على ديبالتسيفي، معتبرة أن هذا الأمر "يسيء جداً إلى آمال السلام". وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية، "ستيفن سيبرت"، إن "الحكومة الألمانية تدين بشدة العملية العسكرية الانفصالية في ديبالتسيفي"، لكنّه أكد مع ذلك أن الوقت ما زال مبكراً للقول إن الاتفاق فشل، وأشار إلى أن أوروبا ما زالت مستعدة لفرض عقوبات جديدة على روسيا، إلا أنه أوضح أن ذلك سيتوقف على مزيد من التطورات في الأرض في أوكرانيا. نبرة وزير الخارجية البريطاني، "ديفيد كاميرون"، كانت الأكثر حدّة في الفلك الأوروبي، فقد طالب شركاءه الأوروبيين بتبني موقف صارم تجاه روسيا في النزاع الأوكراني، وأوضح أن على أوروبا أن تبيّن لروسيا، بشكل واضح، أن عليها أن تخشى التعرض على مدى سنوات عديدة لعقوبات اقتصادية ومالية إذا لم تتوقف عن زعزعة الاستقرار في أوكرانيا. من جانب أخر أعلن الرئيس الأوكراني "بترو بوروشنكو" أن بلاده ستطلب إرسال قوة شرطة تابعة للاتحاد الأوروبي بتفويض من الأممالمتحدة، لحفظ السلام في مناطق القتال، في شرقي أوكرانيا الانفصالي الموالي لروسيا، وقال "نحن نعتبر وجود قوة شرطية للاتحاد الأوروبي أفضل خيار لضمان الأمن، في وضع لا تحترم فيه روسيا ولا من تدعمهم اتفاق وقف إطلاق النار". مطالبة "بوروشنكو" بقوات حفظ سلام أثارت استياء روسيا، حيث اتهمت موسكو الرئيس الأوكراني بالسعي إلى نسف اتفاق مينسك لوقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا، وقال "حين يطرح طرف ما خطة جديدة بدلا من الالتزام بما وافق عليه، فإن ذلك يثير الشكوك بأنه يرغب في نسف اتفاقات مينسك"، وأضاف السفير الروسي إن هذه الاتفاقات "أُبرمت للتو وإذا عرضنا مباشرة خططا أخرى، فإن السؤال يطرح لمعرفة ما إذا كانت ستحترم أم لا"، كما أعرب وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" عن أمله في ألا توظف الأحداث في ديبالتسيفي بأوكرانيا كحجة لنسف الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مينسك. بسيطرة الانفصاليون على مدينة "ديبالتسيفي" في شرق أوكرانيا، أنجزوا التقدم العسكري الذي بدأ خلال الصيف، خاصة أن المنطقة الخاضعة لسيطرة الانفصاليين أصبحت تمتدّ بين معقليهم لوغانسك ودونيتسك. على الرغم من أن اتفاق وقف إطلاق النار لايزال قائمًا في نظر واشنطن والعديد من الدول الأوروبية، إلا أن استمرار القتال في بعض مناطق شرق أوكرانيا ينذر بعواقب قد تؤدي إلى انهيار الاتفاق مجددًا ليعود الصراع بين روسياوأوكرانيا لنقطة الصفر.