يواصل الجيش السوري عملياته العسكرية الواسعة شمالا وجنوبا، انتصارات متتالية حقهها خلال الأيام القليلة الماضية، حيث تمكن من إحرازِ تقدم كبير في ريف القنيطرة، كما استعاد السيطرة على عدد من القرى والبلدات الشمالية. تتلاقى الرؤى السياسية مع التطورات الميدانية كما جرى خلال الفترة الأخيرة بريف حلب وقبلها ريف درعا، ذلك أن تقدم الجيش السوري وإحكام الطوق حول حلب لم يكن فقط متزامناً مع تقديم المبعوث الأممي "دي ميستورا" لمجلس الأمن رؤيته لحل الأزمة السورية انطلاقا من خطة وقف إطلاق النار في حلب، وإنما جاء أيضا بعد أيام من انتصارات الجيش السوري على عدة محاور بالجبهة الجنوبية في ريفي درعا والقنيطرة، لتعطي رسائل عسكرية سياسية تقول بأن جانباً كبيراً من الوضع في حلب دخل منعطفاً حاسماً. وفي السياق ذاته تمكن الجيش السوري من دخول بلدة الزهراء المحاصرة من قبل داعش، في ريف حلب الشمالي، كما استعاد السيطرة على بلدتي حرد تنين وباشكوي، فيما تستمر الاشتباكات في بلدة رتيان، لتنطلق بذلك عملية عسكرية في الجبهة الشمالية على كل المحاور، على غرار تلك التي بدأها الجيش السوري جنوب البلاد. تتغير الوقائع الميدانية في الشمال السوري لا على جبهة حلب وريفها فحسب، وإنما على جبهة عين العرب منذ نهاية يناير الماضي حيث لاحق المقاتلون السوريون الأكراد تنظيم «داعش» حول عين العرب، واستردوا منذ أسبوعين 163 قرية، وأضافوا إليها تلة جنوبي عين العرب تقع في محافظة الرقة، معقل «داعش». تؤكد دمشق وقواتها المسلحة أنها قادرة على المبادرة وبقوة، والحسم على أكثر من جبهة، وعرقلة مخططات تحاك للضغط عليها عسكرياً وسياسياً، احباط مؤشرات الهجوم من أطراف الحدود الأردنية في الجنوب السوري عبر الغوطتين نحو دمشق، وتعديل قواعد الاشتباك مع العدو الإسرائيلي في القنيطرة، ثم الاندفاع في ريف حلب لإحكام الخناق على تركيا والتي أعلنت أنها تستعد لتوقيع اتفاق تعاون مع الولاياتالمتحدة بشأن تدريب ما يسمى ب «المعارضة المعتدلة»، واستخدامهم بطبيعة الأمر في مناطق الشمال السوري حيث تختلط كل العوامل المتفجرة التي تسمح بعدم استقرار هذه المناطق، سواء من تنظيمات إرهابية مثل «داعش» أو «جبهة النصرة»، أو من أخرى موالية لتركيا وممولة منها، وفلول «الجيش الحر»، بالإضافة إلى المقاتلين الأكراد. هذا التقدم السوري في ريف حلب الشمالي أتاح الفرصة لدمشق أن توافق على عرض أعلنه المبعوث الأممي "دي ميستورا" بتعليق القصف فى حلب، مؤكدًا أن الحكومة السورية هي جزء من الحل، في إشارة غير مباشرة إلى تصريحاته السابقة التي قال فيها إن الرئيس السوري بشار الأسد جزء من الحل، وفي حديث للصحفيين بعد تقديمه تقريره إلى مجلس الأمن الدولي ، قال "حكومة سوريا أشارت لي باستعدادها لوقف كل القصف الجوي والقصف المدفعي لفترة ستة أسابيع في جميع أنحاء مدينة حلب في موعد سيعلن من دمشق". وفيما يتعلق بالتطورات الميدانية بالجبهة الجنوبية، فقد أكدت القيادة العامة للجيش السوري أن قواتها حققت انجازات نوعية في أرياف دمشقوالقنيطرة ودرعا خلال عملياتها المستمرة على الجبهة الجنوبية، وأوضحت القيادة في بيان لها، أنها أعادت الأمن والاستقرار إلى بلدات دير العدس والدناجي ودير ماكر، وأحكمت السيطرة على تل مصيح وتل مرعي وتل العروس وتل السرجة، وقضت على أعداد كبيرة من إرهابيي "جبهة النصرة". الهجوم الذي أعد له الجيش السوري منذ أشهر هو ما حاولت إسرائيل تأخيره من خلال استهداف مقاتلي "حزب الله" في ريف القنيطرة، فأتى الاستهداف بنتيجة عكسية، حيث أطلق الجيش عمليات نوعية لاستعادة المناطق التي استولت عليها الجماعات المسلحة بمساندة إسرائيلية وتحديداً في ريفي درعا والقنيطرة. يضع الجيش السوري الجبهة الجنوبية في سلم أولوياته لما لها من أبعاد إستراتيجية مهمة، أولها قطع طرق إمداد المسلحين، وثانيها إنهاك جبهة النصرة وشلها في درعا والقنيطرة، أما ثالثها وهو الأهم، التضييق على التعاون الوثيق بين المسلحين والجيش الإسرائيلي واستخباراته العسكرية، وإفشال المخطط الإسرائيلي بإقامة حزام أمني في الجولان وصولا إلى شبعا بلبنان على شاكلة الحزام الأمني الذي أقامه في جنوبلبنان إبان الحرب الأهلية. هجوم كبير بدأه الجيش لتعزيز مواقعه الدفاعية على المثلث الذي يربط محافظات درعا والقنيطرة وريف دمشق، عشرات الكيلومترات من الأراضي المحتلةبالقنيطرة استطاع الجيش السوري تحريرها من قبل المجموعات المسلحة المدعومة من إسرائيل، ليحقق تغييراً استراتيجياً في موازين القوى الإقليمية، فالهجوم الاستباقي لعملية الجيش قد خلط الأوراق في هذا المثلث "درعا والقنيطرة وريف دمشق الغربي". تراقب إسرائيل أبعاد هذه العملية الاستباقية باهتمام وقلق شديد، خاصة وأنها أعلنت كثيرًا بأنها لن تسمح بفتح جبهة الجنوب السوري، لكنها تجد نفسها اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تستعد لوجود مقاومة في الجولان، أو أن تعود إلى ما يعرف بقواعد "كيسنجر" عن فصل القوات في تلك المنطقة طبقا إلى عام 1972، فالمعارك التي يخوضها الجيش السوري في الجبهة الجنوبية تدفع جبهة النصرة وحلفائها إلى التقهقر، لتضع بذلك إسرائيل أمام مأزق التدخل المباشر أو قبول خسارة مراهناتها. وفي رد فعل الاحتلال، رأت وسائل إعلام إسرائيلية أن للمعركة الجارية حالياً في الجولان أهمية كبيرة من ناحية إسرائيل، واعتبر موقع القناة الثانية الإسرائيلية أن هذه المعركة ستقرر ما إذا كان الإيرانيون سيحولون الحدود في الجولان إلى جبهة مفتوحة لشن عمليات ضد إسرائيل أم لا؟، وأشار الموقع إلى أن هجوم الجيش السوري في القنيطرة يهدف إلى استعادة السيطرة على خط الحدود مع الجولان المحتل. قال محلل الشئون العربية في القناة الثانية الإسرائيلية "ايهود يعري" إن "المجموعات المسلحة تجد صعوبة في هذه المرحلة في وقف التقدم، والخطر يكمن في انهيار منظوماتها، ووصول حزب الله إلى الخط الحدودي في الجولان، وقد تنشأ هناك جبهة جديدة للعمليات"، ويرى المحللون الإسرائيليون أن الهجوم الذي يشنّه الجيش السوري في منطقة القنيطرة "الأكثر جدية"، ورأوا فيه امتداداً لمعركة القصير، من حيث سرعة الحسم والتأثير. على إثر تقدم الجيش السوري في المنطقة الجنوبية والخسائر الكبيرة التي لحقت بصفوف المسلحين، أكدت مصادر عسكرية أن اتصالات عاجلة جرت بين فعاليات من قرى ريف درعا ومعنيين بالمصالحة الوطنية، بهدف تجنيب القرى ما حدث في قرية دير العدس والمنطقة، وأكدت المصادر أن الكثير من أهالي قرى ريف درعا يزودن الجيش السوري بمعلومات عن المسلحين ومواقعهم وخطوط إمدادهم، ليتلقى الجيش السوري بعدها أوامر بالرد الحازم على مصادر النيران والمناطق التي تؤوي المسلحين. بهذه العملية تحُصن سوريادمشق وريفها الجنوبي، كما أن لها هدفاً أكثر إستراتيجية هو إعادة السيطرة على خط الحدود مع فلسطينالمحتلة، كما استعاد الجيش السيطرة على "دير ماكر" في آخر ريف دمشقالجنوبي، والتي منها كان زحف المسلحين باتجاه اوتستراد السلام دمشق – القنيطرة" التي تبعد عنه 4 كيلومترات، والداعمة لوجستياً لبلدة خان الشيح، آخر بلدة يتمركز فيها المسلحون من جهة العاصمة دمشق. يتوقف مد المسلحين في خان الشيح مع سيطرة الوحدات السورية على بلدة دير العدس، محور الفصل الذي تؤمن السيطرة عليه للجيش على الطريق الدولي درعا دمشق، وتقطع أوصال المسلحين في سفح جبل الشيخ وريف درعا، وتمكن الجيش من السيطرة على دير العدس، كما تمكن من إعادة السيطرة على تل مرعي الاستراتيجي، وتل الصياد، اللذين يشكلان مع تل رعيد، وتل عفا شمال دير العدس سداً يعطي الجيش أفضلية في سير المعركة، ووصلت الوحدات السورية إلى محاذاة بلدتي حمريت وكفرناسج، وهما من أبرز قواعد المسلحين في ريف درعا، وأحكم السيطرة على قرية الدناجي. العملية وفق محللين ناقضت كل ما يقال عن قدرات الجيش السوري، فهذا الجيش أظهر جهوزية واضحة وقدرة على التحرك والمناورة والهجوم، وليس فقط الرد والدفاع عن النفس، ولذلك تعتبر العملية هي بمثابة أولى خطوات المقاومة في الجولان على قاعدة أن الجبهة هناك تم فتحها، ولن تغلق حتى التحرير.