بعد مخاض عسير ومشاورات استمرت نحو 16 ساعة كادت أن تمنى بالفشل في لحظاتها الأخيرة، حضرها زعماء روسيا وألمانيا وفرنسا وأوكرانيا، توصل الرئيسان الروسي والأوكراني إلى اتفاق يأمل الطرفين في أن ينهي القتال بشرق أوكرانيا المستمر منذ أكثر من 10 أشهر. أعلن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أن "رباعية النورماندي" توصلت إلى اتفاق لتسوية الأزمة الأوكرانية بالطرق السلمية، وأضاف في ختام مباحثات ماراثونية في العاصمة البيلاروسية "مينسك" إن أطراف الرباعية استطاعت الاتفاق على الكثير من النقاط، وأعلن "بوتين" أن مجموعة الاتصال الخاصة بتسوية الأزمة الأوكرانية وقعت وثيقة تضم مجموعة من الإجراءات الخاصة بتنفيذ اتفاقات مينسك، كما قال إن زعماء "رباعية النورماندي" أصدروا بيانًا لدعم الإجراءات المذكورة. وأكد الرئيس الروسي أن أطراف المفاوضات اتفقت في مينسك على وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا ابتداء من 15 فبراير، وسحب الأسلحة الثقيلة من خط الفصل الحالي بالنسبة للقوات الأوكرانية ومن خط الفصل الذي حدد في سبتمبر الماضي بالنسبة لقوات دونباس، وأشار "بوتين" إلى أن الوثيقة تنص كذلك على إجراء إصلاح دستوري في أوكرانيا يضمن حقوق سكان شرق البلاد، إضافة إلى منح منطقة دونباس وضعًا خاصًا وحل المسائل المتعلقة على الحدود بالتنسيق مع قوات دونباس. ودعا الرئيس الروسي طرفي النزاع الأوكراني إلى ضبط النفس ووقف إطلاق النار والفصل بين القوات دون إراقة مزيد من الدماء، واعتبر أن الصعوبة الأساسية في المفاوضات الحالية كانت مرتبطة برفض كييف إقامة حوار مباشر مع ممثلي شرق أوكرانيا. على الرغم من الانتهاء من توقيع الاتفاقية والترحيب العالمي بها إلا ان الأجواء العامة يسودها تفاؤل حذر، حيث تتجه المؤشرات بشكل عام إلى ان الاتفاق قد يسوده الكثير من العقبات التي من الممكن أن تؤدي لانهياره سريعًا، فقد تناقضت التصريحات المتحفظة للقادة الأوروبيين، مع خطاب النصر لدى قادة الانفصاليين. أكدت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" أنه لا يزال هناك "عقبات كبيرة" ينبغي تخطّيها قبل التوصل إلى حلّ للنزاع في أوكرانيا، فيما رأى وزير خارجيتها، "فرانك فالتر شتاينماير"، أن الاتفاق ليس "حلاً شاملاً ولا اختراقاً"، وفي سياق التصريحات الغربية المتشائمة، رأى الرئيس الفرنسي "فرنسوا هولاند"، أن اتفاق مينسك "لا يضمن نجاحاً دائماً"، مؤكداً أن "الساعات المقبلة حاسمة" بالنسبة إلى مصير الاتفاق. أما الرئيس الأوكراني، "بترو بوروشنكو"، فقد أعلن أن "مجموعة الاتصال وقّعت الوثيقة التي قمنا بإعدادها وسط توتر شديد"، وأكد أن "تطبيق اتفاق مينسك لوقف اطلاق النار في بلاده لن يكون سهلا"، وكان "بوروشينكو" قد قال، في تصريح مقتضب خلال استراحة قصيرة في المباحثات، إن "الشروط المطروحة من جانب روسيا في قمة مينسك الرباعية، الرامية لحلّ الأزمة الأوكرانية، غير مقبولة". رفضت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" رفع العقوبات المفروضة على روسيا، قائلة إن العقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي ضد 19 شخصية و9 أشخاص قانونيين ستدخل حيز التنفيذ في 16 فبراير كما كان مقررًا، وقال وزير الخارجية الفنلندي "أركي توميويا" إنه لا يستبعد إمكانية رفع العقوبات عن روسيا تدريجيًا في حال التزام الأطراف المعنية بوقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا، وأضاف أن تحريك العملية السياسية في أوكرانيا سيتطلب الكثير من الجهود والعمل. رحبت الولاياتالمتحدة بالاتفاق، ولكنها طالبت في الوقت نفسه روسيا بوقف الدعم الذي تقدمه للإنفصاليين في شرقي أوكرانيا، وقال وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" إن العقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا لن ترفع ما لم تتخذ الأخيرة الإجراءات الفعلية التي تثبت إلتزامها بتعهداتها. في غضون ذلك تستمر المعارك ميدانيًا على الرغم من توقيع الاتفاقية، فقد قتل ثلاث أطفال في قصف غورلوفكو بمقاطعة دونيتسكو، كما قتل ثلاثة أشخاص نتيجة قصف القوات الأوكرانية للوغانسك، وتستمر المعارك للسيطرة على بلدة لوغفينوفو، حيث أعلن نائب قائد قوات دفاع دونيتسك "إدوارد باسورين"، أن قوات الدفاع الشعبي استطاعت صد محاولتين للقوات الأوكرانية لاختراق طوق حصار ديبالتسيفو في منطقة بلدة لوغفينوفو في مقاطعة دونيتسك. سكان منطقة الدونباس عاد إليهم بصيص الأمل، بأن القذائف لن تتساقط على رؤوسهم بعد الخامس عشر من الشهر الجاري وهو ميعاد دخول اتفاق مينسك حيز التنفيذ، لكن في الوقت نفسه تأمل جميع الأطراف في أن يصمد هذا الاتفاق وتتجسد بنوده. قال مدير مكتب موسكو لحقوق الإنسان "ألكسندر برود"، بعد توقيع اتفاقية مينسك من قبل رئيسي جمهوريتي دانيتسك ولوغانسك الشعبيتين بمباركة القادة الأوروبيين يبقى مهماً الآن أن يلتزم الجانب الأوكراني بهذه الاتفاقية لأن تجارب مينسك السابقة أظهرت عدم تنفيذ كييف لالتزاماتها وكانت الوثائق تولد ميتة عملياً. الأوروبيون تنفسوا الصعداء بالرغم من أنصاف الحلول، وسكان منطقة الدونباس عاد إليهم بصيص الأمل، والقادة الغربيين رحبوا بتوقيع الاتفاقيه، وكل من الطرفين تعهد ببذل قصاري الجهد لتنفيذها على الرغم من التشكيك في جدواه، ليبقى السؤال الذي ستجيب عليه الأيام المقبلة، هل ستنتهى الأزمة الأوكرانية بحلول 15 فبراير أم يتجدد الصراع وإلقاء الاتهامات؟.