انتهى أمس لقاء موسكو التشاوري بين وفد الحكومة السورية وشخصيات معارضة من الداخل والخارج، حيث كان اليوم الرابع من مداولات اللقاء التشاوري للحوار السوري- السوري الذي بدأ بمداولات لشخصيات المعارضة على مدى اليومين السابقين، لقاءات أثبتت من جديد جدية الحكومة السورية والتزامها بالعمل على إيجاد حل سياسي يحقق مصالح الشعب السوري ويحفظ سيادة ووحدة البلاد. أجواء اليوم الأول من مناقشات اللقاء التشاوري، والذي ألقى فيه وفد سوريا كلمته واستمع خلاله إلى العديد من كلمات الشخصيات المعارضة اتسمت بالإيجابية، حيث أكد الوفد السوري الحكومي على وجوب أن يكون اللقاء التشاوري في موسكو منبرًا جادًا يعكس هدفه الذي يأتي في ظل الكثير من المعاناة والخسائر والتحديات التي تواجهها سوريا، وهو أمر يتطلب الجدية اللازمة أيضا من الطرف الآخر وامتناعه عن تنفيذ أجندات الدول الساعية إلى التدخل وفرض أملاءاتها على الشعب السوري. الانتقادات التي وجهها وفد سوريا لشخصيات المعارضة، لم تمنعه من التأكيد على أنها تنظر إلى المعارضة الوطنية كشريك في عملية الحوار السوري- السوري وتدعو إلى تضافر الجهود جميعاً حكومة ومعارضة بما يحقق عودة الأمن والأمان والاستقرار إلى سوريا. أعلنت مصادر المعارضة، أن الوفد الحكومي أعرب عن استعداده للنظر في عدد من النقاط المقترحة من قبل المعارضة، والتي كانت قد اتفقت عليها وتضم 10 نقاط، منها وقف إراقة الدماء وإطلاق عملية سلمية في سوريا ووقف القصف العشوائي للمدنيين من أي جهة، والإفراج عن كافة معتقلي الرأي والناشطين، وإدخال الغذاء والدواء إلى كل المناطق، وإنشاء هيئة سورية لحقوق الإنسان، وحصر السلاح بيد الجيش. قدّمت روسيا ورقة مبادئ للأطراف المجتمعة أهمها، "وضع أسس للحوار الوطني السوري، والحفاظ على سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدتها واستقلالها وسلامة أرضها، ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله وتجلياته والسعي إلى تضافر الجهود الداعية إلى مكافحة الإرهابيين والمتطرفين على الأراضي السورية، وتسوية الأزمة بجميع الوسائل السياسية السلمية على أساس توافقي انطلاقاً من بيان جنيف واحد، والحفاظ على الجيش والقوات المسلحة كرمز للوحدة الوطنية وعلى مؤسسات الدولة وتطويرها، وعدم قبول أي وجود مسلح أجنبي على أراضي الجمهورية العربية السورية دون موافقة حكومتها". وافق وفد سوريا الحكومي مع خمسة أحزاب معارضة وشخصيات أخرى على مبادئ موسكو، فيما رفضت هيئة التنسيق المدعومة من الائتلاف السوري المعارض المبادئ، كما أكد الوفد الحكومي على استعداده لدراسة قائمة مفصلة من السجناء السياسيين في حال تقديمها من قبل ممثلي المعارضة، بالإضافة إلى موافقته على إنشاء لجنة لحقوق الإنسان، وأوضحت المصادر أن ممثلي الحكومة السورية اقترحوا أن يتم بحث نقاط المعارضة في جولة لاحقة من المشاورات، داعين إلى إجرائها في العاصمة السورية دمشق. بعيدا عما جرى داخل جلسات النقاش، فقد أعرب عدد من المشاركين عن تفاؤلهم بإحراز تقدم في المشاورات الجارية في موسكو منوهين بدور روسيا التي حرصت على عدم التدخل في النقاشات رغم استضافتها للقاء على أراضيها واكتفائها بتوفير الأجواء اللازمة لمناقشات هادئة. الدور الروسي منذ بدء الأزمة في سوريا وصولًا إلى المشاورات التي تجري حاليًا على أرضه كان ومازال ثابتا، فروسيا منذ البداية تدعم الرئيس السوري "بشار الأسد" كما تدعم الحل السياسي وترفض أي تدخل عسكري في الأزمة، وهو ما أكدته من خلال جهودها لتوفير ساحة هادئة للحاضرين لمناقشة سبل إيجاد قواسم مشتركة يمكن البناء عليها للاتفاق على أسس يقوم عليها الحوار السوري-السوري الهادف في النهاية إلى حل الأزمة في سورية سياسيا، وقطع الطريق على التدخلات الخارجية، كما تعاملت مع كل الأطراف دون استثناء أحد أو فرض شروط عليه. أثبتت الحكومة السورية أنها تستميت من أجل حل الأزمة السورية، وذلك من خلال استجابتها دون تردد لكل المبادرات العربية والدولية حتى مع وجود العديد من الملاحظات لديها، إلا أن عدم نجاح كل تلك المبادرات حتى الآن في إطفاء نار الأزمة جاء بفعل تدخل بعض الدول في المنطقة وخارجها الساعية إلى مصادرة القرار السوري المستقل، وعملت ومازالت تعمل على أجندة مختلفة لتقويض مكونات الدولة السورية ومؤسساتها المختلفة. في الوقت الذي ينتظر فيه العالم عمومًا والشعب السوري على وجه الخصوص ما سيخرج به لقاء اليوم الختامي بين وفد سوريا الحكومي وشخصيات المعارضة، يبرز على الساحة سؤالاً قد يجعل كل هذه الجهود تنهار، فإذا توصلت الأطراف المشاركة في الحوار إلى حل مبدئي للأزمة وعقدت العزم على تنفيذه هل ستلتزم الأطراف المعارضة التي رفضت حضور المشاورات بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في موسكو أم أنها ستقول أن المعارضة المشاركة في المؤتمر لا تمثلنا وبالتالي لن ننفذ ما تم الاتفاق عليه؟ وهو الأمر الذي قد يبدد كل هذه الجهود.