تحل ذكرى ثورة 25 يناير الرابعة، تلك الثورة التي تعرضت لأكبر مؤامرة في التاريخ، ولا تحمل معها سوى دماء الشهداء الذين سقطوا، وعاهات المصابين وآنين ودموع الأمهات على أبنائهم القابعين خلف الزنازين، تحل الذكرى خالية من رائحة العدل والحرية والكرامة، تحل بأمراض الماضي وأوجاعه ونفس الوجوه التي دمرت حياة المصريين. بعد أيام سيتحدث عن ثورة المصريين من ثرنا عليهم، وسيتحدث عن كرامتنا من أهانها، وعن العدل الاجتماعي من سرق قوتنا، وعن حريتنا من سلبها. سيخرج السجان ليتحدث عن حقوق الإنسان، والقاتل عن دماء الشهداء، ورجال الأعمال عن العدل الاجتماعي، ستفتح البوابات الحديدية التي تحاصر ميدان التحرير، أمام أعداء الثورة، ورافضيها والمغلوبين على أمرهم، وستستقبل الثوار بالرصاص والخرطوش، سترفع صور مبارك في التحرير. سيتولى مهمة الاحتفال بذكرى الثورة، قنوات رجال الأعمال التي لعبت دورًا في تشويه رموزها وربط أسمائهم بصفات "العمالة والخيانة"، وستحاول من خلال ضيوف جاءوا من كهف الماضي، أن يفصلوا بين الحدث وصانعيه، وبين الميدان ومريديه، وبين الهتاف ومرددوه، ليأخذوا من الثورة ما يمنحهم شرعية عودتهم، ويتركوا ما قامت من أجله. سيتحدثون عن أهداف تحققت، وحرية لا مثيل لها، وعدل اجتماعي لا ينكره سوى جاحد أو حاقد، سيتهمون كل من يطالب بالحقوق، بأنه يصطاد في الماء العكر، يتصيد للسيسي الأخطاء، يتضامن مع القتلى، لا يقدر ما تمر به البلاد من أزمات. سيكتفي الثوار والمؤمنون بثورة يناير بكتابات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحمل من الإحباط واليأس أكثر مما تحمل من الأمل، سينعون أحلامهم، وسيشيعون آمالهم، وستتردد عبارات عن وطن عصي على التغيير، وستتعالى نبرات هجرة الأحلام، قبل هجرة الشباب من بلاد، اعتادت أن ترجم أولادها، وتترك زناة العرض، أن تقطع يد فقرائها، وتمنح سارقي القوت الأوسمة. وعلى الجانب الآخر، سيخرج الإخوان، يحملون شعارات ثورة لم يشاركوا فيها، ويطالبون بالقصاص لشهداء قتلوهم، سيحاولون استخدام الذكرى، لكسب تعاطف المصريين، ويحاولون الدخول من بابها، لإقناع الثوار بضرورة لمّ شمل قوى يناير التي لا ينتمون إليها في مواجهة النظام الحاكم. لكن يومًا سيأتي يناير جديد، يحمل من الحق والآمال والعدل الكثير، لكن الأهم أنه سيحمل من القدرة والإرادة على تحقيق كل هذه الأحلام، سيأتي يناير جديد، يحمي الفقراء من البرد والجوع، ويواجه سارقي القوت والأحلام ويقتص للشهداء، يناير لن يتمكن سارقو الأحلام من وصفه بالمؤامرة، أو الالتفاف عليه، يناير سيحاسب كل من قتل أو تأمر أو سرق هذا الشعب أو تخيل يومًا أنه سيصمت طويلًا.