جاء فصل الشتاء هذا العام قاسياً على المواطنين عموماً في قطاع غزة، وكان أشدُّ قسوةً على المزارعين تحديداً، فدرجة الحرارة اقتربت من الصفر لعدة أيام متواصلة وهطلت كميات كبيرة من الأمطار بلغت 92.2% بمعدل 330 ملم، وقد قدرت وزارة الزراعة كمية هطول الأمطار لهذا العام ب 118 مليون متر مكعب، حيث تجاوزت 8 محطات مطرية، هذا المعدل الأمر الذي ينبئ بموسم مطري وفير. هذه الأمطار التي تحمل الخير معها دائماً، حملت أيضاً متاعب كثيرة لأهالي المدينة، فالأمطار في هذا العام حملت بعضاً من الأضرار لعدد من المزارعين، وتسببت بضرر كبير في المحاصيل الزراعية، فبعد الحرب الاخيرة على قطاع غزة وتجريف الاحتلال لعشرات الآلاف من الدونمات واقتلاع عشرات الأشجار، أصبح حال المزارعين صعباً بعد غرق عدد من الأراضي الزراعية وتلف العديد من أنواع المحاصيل التي لم تحتمل تشكل الصقيع لساعات طويلة. هذا وكان مدير زراعة محافظة الوسطى م. أحمد محمد قد صرَّح بأنَّ: "عدد الدونمات الزراعية المدمرة في المحافظة بلغت 75 دونم زراعي نايلون و10 حديد، مشيراً إلى أن أضرار المنخفض كانت متوسطة حيث تركزت في مناطق دون مناطق" مستذكراً بأنَّ طواقم المديرية استنفرت منذ بدأ المنخفض للكشف الميداني وتسجيل الأضرار إثر ورود بلاغات المزارعين بوقوع أضرار شديدة في مناطق أخرى. في مدينة غزة وفي حي الزيتون تحديداً حيث الأراضي الزراعية المنتشرة قابل فريق البديل عدداً من المزارعين الذين كان لهم نصيبٌ من أضرار المنخفض الجوي، وكان اللقاء الأول مع المزارع أبو محمد عزات 46 عاماً الذي أكَّد أنَّ الصقيع الذي يصيب النباتات هو الذي يعمل على قتلها وتدميرها بشكلٍ كامل، الأمر الذي أدى إلى تلف بعض الأنواع منها مثل محصول الكوسا والخيار، وأفاد بأنه "حتى المحاصيل المزروعة داخل الدفيئات الزراعية تأثرت بهذا الصقيع لكن الضرر كان أقل من المحاصيل الأخرى التي كانت خارجها". أما عن الأمطار فقال: "أنها مهما كانت كميتها فإنها لا تضر الأراضي الزراعية بل بالعكس تعمل على زيادة مخزون المياه الجوفية والذي يعود بالنفع على المزروعات في ظل تلوث المياه الكبير في قطاع غزة، إلا أنَّ انخفاض مستوى الأرض عن الأراضي المجاورة كان سبباً في غرق الأراضي الزراعية، فتصبح الأرض مكاناً لتجمع مياه الأمطار وبالتالي تؤدي إلى تلف المحاصيل الموجودة فيها وخصوصاً إذا كانت لا تستطيع تحمل كثرة المياه مثل محصول السبانخ والسلق الذي لا يحتاج لكمية كبيرة من المياه". أما عن الدور الحكومة فقال وباختصار: "الحكومة عبارة عن صفر منزلي". تحدث البديل أيضاً إلى المزارع علاء حجي 34 عاماً والذي بيَّن أنَّ مزرعته تضررت خلال الحرب الأخيرة وتلف المحصول كاملاً نتيجة بعده عن الأرض لمدة واحد وخمسين يوماً بشكل متتالي، وما أن قام بزراعة الأرض مجدداً حتى جاء المنخفض الأخير والذي وصفه "بالشرس"، حيث أنه ومن شدة الرياح تأثرت الدفيئات الزراعية وتمزق النايلون الحامي لها مما دمر المحصول، وأضاف حجي: "هذه الدفيئات البسيطة والعادية تفتقر إلى المواصفات العالمية المتبعة في الدول الخارجية وتحتاج إلى نظام تدفئة في فصل الشتاء وبالطبع الموضوع مكلف لدرجة كبيرة ويحتاج إلى طاقة كهربائية كبيرة وهذا الأمر لا يستطيع المزارع الفلسطيني تحمل تكاليفه". وعن ما إذا كان يحصل على مساعدات من وزارة الزراعة أو غيرها من المؤسسات قال حجي بأنه سجل لدى وزارة الزراعة أكثر من مرة ولكن في كل مرة يكتشف أنَّ هذا التسجيل هو مجرد حبر على ورق بسبب الأوضاع التي تعصف بالحكومة الفلسطينة والأزمة المالية الخانقة. التقى البديل بالمهندس نزار الوحيدي مدير عام الإرشاد والتنمية الريفية الذي قال: "القطاع الزراعي تكبد خسائر فادحة جراء الحرب الاخيرة والتي تزيد عن ثلاثمائة وخمسين مليون دولار وأكد أنَّ الوزارة لديها الكثير من الإرشادات وتحاول دائماً التواصل مع الجمهور والمزارعين بصورة مباشرة وغير مباشرة ولكن كيف تقاوم الصقيع؟ عندما يحدث هذا الأمر تحتاج إلى إمكانيات وموازنات وعلى الأقل يجب توفير الوقود الذي هو مرتفع السعر ولا يستطيع المزارع شراءه لأنه لا يستطيع بيع المحصول بسعر عالي، إضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة وهو ما يؤثر على عمل آبار المياه والري والزراعة بشكل عام بصورة سلبية". أما عن المناطق المنخفضة وخصوصاً منطقة وادي غزة فأكد الوحيدي بأنَّ هذه المشكلة يصعب حلُّها وستظل قائمة وأنَّ حلها بحاجة إلى مبالغ ضخمة تقدر بحوالي مليار دولار للتحكم بمجرى الوادي والسيطرة عليه، وأضاف: "إنَّ قيام الاحتلال بفتح السدود دون إبلاغ أيِّ منظمة مثل الصليب الأحمر أو منظمة الفاو يسبب غرق العديد من الأراضي الزراعية وخصوصاً الموجودة في المناطق الحدودية". أما عن الدعم والمساندة للمزارعين فقال المهندس: "إنَّ الوزراة تسعى لدى الجهات المانحة ولكن الحكومة بشكل عام والوزارة بشكل خاص تعاني من أزمة مالية حادة والوزارة تحتاج لمبلغ ثلاثمئة مليون دولار لتغطية خسائر المزارعين فقط من الحرب الأخيرة، أما عن الحلول فإنها ذاتية ويحاول المزارعون الاعتماد على أنفسهم وعلى مجهودهم الشخصي في تفادي هذه العقبات والمشاكل، سيما وأنَّ العلاقة بينهم وبين أرضهم تعني لهم الكثير". من كافة النواحي والطرق يتعرض المواطنون الفلسطينيون إلى المشاكل والعراقيل ما يجعل الحياة في غزة مليئة بالصعوبات، لتجد الظروف دائماً خانقةً وموجعة، وبالرغم من كلِّ هذه الصعاب إلا أنَّ المزارع يهتم بأرضه ويرعاها لأنها مصدر رزقٍ له وللكثيرين من المواطنين الذين اختاروا الأرض ليبنوا أحلامهم وتطلعاتهم.