لم يكن فوز حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين بما يقترب من نصف مقاعد برلمان ما بعد ثورة يناير مفاجئا لأي من المراقبين، فقد كانت الجماعة حتى قبل تأسيس حزبها السياسي البديل الوحيد تقريبا لنظام مبارك، بدليل حصولهم على ربع مقاعد البرلمان في انتخابات 2005. المفاجأة الحقيقية في الانتخابات الجارية كان صعود حزب النور الذراع السياسي للحركة السلفية ليس فحسب بسبب قصر عمره ولكن أيضا بسبب عقود من عزوف السلفيين عن العمل السياسي. في تصوري أن المفاجأة التي صنعها حزب النور السلفي لم تكن مفاجأة غير سارة للأحزاب المدنية فحسب بل إنها أيضا كانت مفاجأة غير سارة لجماعة الإخوان المسلمين أيضا، فقد كانت الأخيرة معتمدة على تاريخها السياسي العتيد فضلا عن قدرتها التنظيمية الكبيرة في حصد أصوات الشارع المصري، إضافة إلى حقيقة أنها الجماعة السياسية التي قدمت نفسها للمصريين طوال الوقت باعتبارها صاحبة صك المشروع السياسي ذي المرجعية الإسلامية، ومن ثم فإن الظهور المفاجئ للتيار السلفي وتصدره للمشهد باعتباره صاحب مشروع سياسي ذي صبغة إسلامية أربك بالتأكيد حسابات الإخوان السياسية لأنه أصبح من المؤكد أن عليها تجاوز تحديات المنافسة مع التيارات المدنية، التي تقف على النقيض من المشروع الإسلامي، فضلا عن تجاوز تحديات المنافسة مع التيار السلفي، الذي يمكنه كسب أرضية الإخوان بحساب أنه يمنع عنها صك التحدث باسم المشروع الإسلامي حصريا، بما يعني أنها أي الجماعة قد تفقد مزية الحديث باسم المشروع الإسلامي. إذا صحت الفرضية الأخيرة فإن الجماعة سوف يكون عليها تحديات أكبر بعد اكتمال عقد البرلمان، ففضلا عن التزاماتها كصاحبة الأغلبية في تحقيق الحد الأدنى من مطالب الثورة، فإنها سوف تكون أمام تحديات التمسك بمشروعها الإسلامي الأكثر انفتاحا، وربما المستفيد من تجربة حزب العدالة والتنمية التركي، ومن ثم التعاون والتقارب بصورة أكبر مع التيارات والأحزاب المدنية، فيما عليها أيضا التدليل على أنها ليست أقل إيمانا ولا تمسكا بالمشروع الإسلامي في وجود حزب سياسي آخر يتحدث باسم الإسلام بخطاب يبدو أكثر التصاقا بالمفردات التقليدية للإسلام. إضافة إلى ذلك فإن الحرية والعدالة سوف يجابه بتحديات أكبر لها علاقة بعدم قدرته على تحمل المشروع السياسي لحزب النور الإسلامي، في الوقت الذي عليه الحفاظ على مسافة آمنة منه باعتباره خط إمداد محتمل. هذه التحديات سوف تؤرق الحزب السياسي للإخوان المسلمين وقد تتسبب في إرباك خطواته داخل البرلمان أيضا، وقد تؤثر في قدرته على التعامل مع الفترة الانتقالية خصوصا وأن الصدام بينه كحزب الأغلبية وبين المجلس العسكري كمدير للمرحلة الانتقالية يبدو ملوحا في الآفاق. من ناحية أخرى تسبب صعود الذراع السياسية للإخوان المسلمين واتصالهم العلني بالإدارة الأمريكية وحديث البعض عن توافقات محتملة (يقول البعض إنها ترقى لمرتبة الصفقة السياسية) مع المجلس العسكري، تسبب ذلك في مخاوف عديدة أعرب عنها كثير من الناس في الشارع السياسي. هذه المخاوف نفسها لا يمكن قراءتها إلا في ضوء صعود التيار السلفي، فالأخير صدرت عن بعض قياداته عدد من التصريحات التي بدت صادمة للمجتمع وهي التصريحات الخاصة بالسياحة (أحد أهم روافد الدخل القومي في مصر) والخاصة بالثقافة (أحد أهم منجزات الحضارة المصرية). صحيح أن الخطاب الإخواني يقف على مسافة بعيدة من هذه التصريحات، وصحيح أن الرؤية الإسلامية للإخوان تبدو أكثر موائمة مع مثل هذه الأمور، غير أنه بسبب خضوع الإخوان المسلمين والتيار السلفي للمرجعية الدينية الإسلامية ذاتها فإنه بالنسبة للشخص العادي يصبح من الصعوبة التمييز بين ما يخص الخطاب الإخواني وما يخص الخطاب السلفي، وهو ما يضع تحديات أخرى أمام الجماعة التي عليها أن تحافظ على تمايزها باعتبارها أكثر انفتاحا وموائمة مع الواقع بنفي وقوفها في الخندق نفسه مع التيار السلفي فيما عليها أيضا أن تظل معلقة بالتيار السلفي باعتبار أنهما في النهاية أبناء الحركة الإسلامية ذاتها، وهو الأمر الذي سوف يتطلب منها تحركا غاية في الحرص كي لا تنقطع شعرة معاوية مع المشروع الإسلامي ولا مع المشروع الوطني في الوقت نفسه. في السياق نفسه فإن تيار الإسلام السياسي ككل (ممثل في أحزاب الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية) سوف يكون أمامه تحد أكبر مفاده إقناع جمهور المصريين أن المشروع السياسي الإسلامي لن يضع مصر في خانة التجربة الإسلامية لأفغانستان والسودان وإنما سوف يضعها في خانة التجربة الإسلامية لتركيا وماليزيا وهو ما سوف يتطلب العمل على إحداث تنمية سريعة قد تعوقها تحديات الاقتصاد المحلي والعالمي ومن ثم فقد تدفع بفشل التيار الإسلامي في الحصول على أصوات المصريين في الدورة البرلمانية التالية، وهو الاحتمال الأقرب في ضوء كل هذه التحديات.