جولة في رمال سيناء تأخذنا بعيدًا عن صخب الواقع؛ حيث وجوه تحجرت بسمتها خلف أسوار التهميش والإقصاء، ننفض هذا الغبار العتي الذي فرضته الحواجز والمسافات علينا، ففي أقصى الشمال إبداعات تختبئ خلف الحدود تصارع وحدها دون أن يسمعها أحد، واليوم نقترب معًا عزيزي القارئ من هذه الإبداعات مع الشاعر والقاص السيناوي عبد الله السلايمة. واحد من بين المبدعين في شمال سيناء، عشق الكتابة، وأتخذ منها حياة كاملة، فمنحته بدورها مكانة خاصة، استطاع أن يكون إبداعه مميزاً أكثر مما كان يحلم به وجعله يتحمل المزيد من الاحساس بالمسئولية، ليس فقط تجاه إبداعه المشهود له بالتميز، بل تجاه الحركة الثقافية التي أثبت على مدى أعوامه السابقة أنه من بين أهم الفاعلين فيها. تناولت أعماله الإبداعية هموم المواطن المصري على أرض سيناء، منها «بركان الصمت»، «قبل المنحنى بقليل»، «صحراء مضادة»، إضافة إلى إبداعات قصصية نشرت في العديد من الصحف والمجلات المصرية والعربية. فاز «السلايمة» بجوائز أدبية قيمة، أهمها جائزة ال"بى بي سى إكسترا" البريطانية للقصة القصيرة، كما تُرجمت بعض قصصه إلى الإنجليزية. حب الوطن لاسيما أرض سيناء، عشقًا تشبث به «السلايمة» حتى يستطيع الاستمرار في الحياة، في ظل حالات التخبط والاقصاء الذي تعاني منه أرض الكنانة، قاسمًا على رد اعتبار سيناء إبداعيًا، فالكتابة بالنسبة له حياة كاملة، إذ يقول: علىّ أجادة الكتابة كى أحصل على استحقاق العيش في هذه الحياة المليئة بالجمال رغم كم البشاعة التي تحاصرنا بشكل يومي، وحول رهاني على الكتابة، سوف أظل أراهن عليها، لإيماني أن للكلمة في النهاية السطوة والاستمرارية والبقاء. إيمانًا وإصرارًا على الكتابة وتوصيل رسالة المواطن السيناوي، هدفًا لا يكل عنه كاتبنا إلا أن هناك صعوبات لا تزال عالقة أمامه يذكرها بقوله: الالتزامات الأسرية، والقيود المجتمعية التي تصادر عليك حريتك، ثم الأهم، أنه مازال هناك من ينظر إلى كتابات المبدع الخيالية على أنها حقائق حدثت له بالفعل، وعلى أنه البطل الحقيقي لقصته أو روايته بكامل أحداثها وتفاصيلها، وتلك مشكلة المتلقى العربي بشكل عام، ومدى ما يتمتع به من ثقافة ووعي. أيضًا يعاني المشهد الإبداعي في سيناء من أسماء امتهنت الأدب، وهؤلاء للأسف لا يتعاطون مع الكتابة باعتبارها قيمة وفعل ساميين، بل باعتبارها واجهة اجتماعية، ووسيلة للاسترزاق، كما يعاني المشهد من قصور وتراجع شديدين في النقد الأدبي، وعدم مقدرته على متابعة ما يصدر من كتابات تستحق التوقف أمامها. وعن حياة السيناويين وصورتهم في مخيلة أبناء مصر، يرى «السلايمة» أن السلطة المصرية لم توفق في تقديم صورة حقيقة عن المجتمع السيناوي وأهله، قائلًا: لو كانوا قد وفقوا كما نتمنى لما بلغت سيناء هذا الوضع السىء التي تعيشه أرضاً وشعباً، أخطاء وخطايا تسبب بها كل من تعاقب على حكم مصر منذ أيام الفراعنة حتى يومنا هذا، وكالعادة ما زال ابن سيناء يتحمل دفع فاتورتها الباهظة، وما يزيد من استياء أهل سيناء أنه تم اختزال صورتهم فى كونهم لا يتعدون تجار مخدرات، أو عملاء للعدو. أيضًا الإعلام له تهمة أخيرة، وهى تعاملهم وتواطؤهم مع الجماعات المتطرفة، ما نتج عنه تهجيرهم من مساحات تعد من أخصب المناطق في شمال سيناء، وهذا لا يعنى أننى بأى حال من الأحوال أن أكثرهم لا يؤمن كما بقية أبناء مصر أن لكل حرب ضحاياها من الأبرياء، وأن ثمة مهمة نبيلة تقوم بها قواتنا المسلحة للقضاء على هذه البؤر الإرهابية الدخيلة على بلادنا. كثيرًا ما اتُهم السيناويين بالخيانة ودعم جهات إرهابية، وهو أمر أصبح لا يعبًا له أهلها، فكم هي التهم التي أصابتهم دون وجه حق!، وهذا ما أكده كاتبنا بقول: لا يهمني واعتقد أن بات لا يهم غالبية أهل سيناء الدفاع عن اتهامهم بالخيانة لأن الدفاع عن التهمة إثبات لها، واعتقد أن السيناويين اثبتوا على مدى العقود السابقة انتمائهم لبلدهم بما لا يقبل الشك. أما عن تعامل أهل سيناء مع القضية الفلسطينية، فقبل أن يكونوا أخوانا بالدين والدم فنحن جيران وتربطنا علاقات تاريخية ومصاهرات لا حصر لها، وستبقى القضية جزءاً من أجسادنا كعرب ومسلمين، ما يصيب الجزء تتألم له كافة أجسادنا، ولا يوجد بيننا فى سيناء كما فى سائر البلاد العربية شك بأن القضية الفلسطينية عادلة، ويستحق أهلها أن يعيشوا في أمن وسلام، ويتخلصوا من وباء المحتل الذي مازال يجثم على صدورنا جميعاً. ختامًا يقترب كاتبنا منك أكثر عزيزي القاري، ويشاركك أحزان وهموم السيناويين، ومطالبهم أيضًا والتي أوجزها بقوله: أن يكون لهم ما على المواطن المصري بشكل عام من حقوق وما عليهم من واجبات بلا تفرقة ولا تمييز بين أبناء الوطن الواحد، أن يكون لهم الحق في تملك وتمليك أراضيهم، وأظن أن حكاية حق الانتفاع هذه لم تعد مجدية في مرحلة ضبابية تعيشها مصر وتحتاج لزرع بشر فى كل شبر من أراضيها، وخاصة سيناء ليكونوا بمثابة دروع بشرية تحفظ ترابها، وتحمى حدودها. أيضًا أن لا يتم التعامل مع أهل سيناء كملف أمني، حتى لا تتكرر نفس الأخطاء والخطايا السابقة، أن يتم إشراك أهل سيناء فى جهود التنمية وخططها المقبلة، أن لا يتم حرمان أبناء سيناء من الالتحاق بالكليات السيادية كالحربية والشرطة والكليات المماثلة، أن يقدم من يجلسون على رأس الدولة اعتذاراً رسمياً لأهل سيناء عن كل ما لحق بهم على مر العقود السابقة من إساءات وأضرار، ألحقت بهم الكثير من الأذى جراء تلك النظرة المتعالية والسياسة العوراء التي دأب الحكام والساسة على انتهاجها ضد أهل سيناء، سياسة اعتمدت الشك والريبة مبدأ لها في التعامل معهم، وحقيقة لا تقبل الشك فى نظرهم الأعمى بأن أهل سيناء لا يتعدون كونهم جماعات مارقة وخائنة وتجار مخدرات وعملاء! لابد لمن يمتلك الضمير الحى من الحكام والساسة والشعب، ويهمه إعلاء شأن الوطن، ببقاء أبنائه على قلب رجل واحد أن يعرف بأن أهل سيناء قد ملوا وضعهم، وقد يفيض بهم الكيل، إذا لم تعجل الدولة بإظهار حسن نواياها تجاههم، بالشروع الفوري والعملي ليس فقط بتغيير تعاملها معهم ونظرتها إليهم، بل بالتأسيس لمشاريع مختلفة من شأنها خلق فرص عمل لشباب سيناء على غرار ما فعله البعض من رجال الأعمال، فهذا من شأنه حل الكثير من مشكلات الدولة ومشكلاتهم، ناهيك عن مدى ما سوف يسهم به هذا النهج الجديد في استقرار الأوضاع ليس في سيناء وحسب بل فى مصر عامة، فمازال في سيناء من الخيرات ما يكفي الشعب المصري، ويزيد عن حاجته، ويكفي مصر مهانة الاقتراض.