جمع من الرجال والأطفال أمام منزل صغير، بالقرب من مقابر السويس القديمة، يحيطون برجل يضع رأسه بين كفيه صامتًا.. يرد على عبارات المواساة بالكاد، "مشهد جنائزي" ينقصه تلقي العزاء وعائلة القتيلين تأبي أن تتلقاه قبل القصاص من الضابط الذي أزهق روحا محمد وأحمد، بطلا المصارعة الذين مثلا القوات المسلحة، ولعبا بالبطولات الدولية . وعلى بعد ما يقرب من 400 متر، يبكي أناس آخرون، رجال ونساء ينتظرون جار المستقبل الذي لم ولن يصل، ليبدأ حياة زوجية، كان من المفترض أن تبدأ بعد شهرين بشقة صغيرة من غرفة وصالة، لم ينته بعد عمال التشطيبات من دهانها، لتستقبل العريس الذي لن يأتي أبدًا، بعد أن رافق شقيقه إلى دار الحق . وفتى لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره يبكي بهيستريا الفراق، أسفل منزل العائلة بكفر كامل، يروي لنا كيف استقبل الخبر عندما كان في طريقه للمنزل عائدًا من مدرسته الإعدادية، يقول "فرج سعيد" شقيق القتيلين الذين راحا ضحية تهور ملازم أول بشرطة السويس، إنه لم يصدق ما قاله الناس بالشارع، لم يصدق أن شقيقاه توفيا، وتوجه لمشرحة السويس ليتأكد، ولكن منعه التجمهر من الوصول للباب، فتسلق السور ليلقي النظرة الأخيرة على شقيقه، لكنهم قالوا له " حرام " . ثم سكت "فرج" قبل أن تواصل دموعه السقوط، وقال : " نفسي أمسك في الظابط ده وأقرقشه بسناني.. لإنه خد أحلى حاجة عندي" . أما الحاج سعيد والد القتيلين مازال يجلس أمام المنزل، دموعه تظهر بوضوح لكنها ثابتة داخل عينيه، وكأنها ترفض هي الأخرى أن تنهمر بحرية، قبل أن يتلقى الأب العزاء، الذي أقسم أنه لن يتقبله قبل القصاص . ويقول الحاج سعيد : " أطالب رئيس الجمهورية ومحمد إبراهيم وزير الداخلية وكل القيادات، أن يقتصوا لابني، وإن عجزوا، فنحن لن نعجز عن ذلك، يشوفوا هما لو كان ده حصل لحد من ولادهم كان هيكون جواهم إيه وهيعملوا ايه ؟" . ووالدتهما مازالت تعاني من انهيار عصبي، ظهر عندما صرخت في وجه أقاربه الذين كانوا يحاولون تنظيم صور وميداليات ذهبية وفضية حصل عليها أبناءها في بطولات المصارعة، قائلة "محدش ياخد حاجة، معادش فاضل لنا من ريحتهم غير الحاجات دي " . أما "إبراهيم" ابن عمهما، بطل العالم في المصارعة لعام 2010، يتعجب كيف سمح ضمير ذلك الضابط، أن يقتل شابًا تلو الآخر بطلقات في الرأس؟؟، كيف استطاع أن يصوب طلقة تجاه رأس الأول عندما كان يستقل الدراجة البخارية خلف أخيه، ثم استطاع بدم بارد أن يقتل الثاني الذي نزل ليطمئن على أخيه الملقى صريعًا على الأرض؟؟ . ويقول "إبراهيم" لن نرضى إلا بإعدام ذلك الضابط المستهتر، ولن نرضى بأي بديل آخر" . بحرقة شديدة، يتحدث لنا "هاشم عكاشة" صديق الشهيدين، الذين فقدا حياتهما وهما في طريقهما للعمل، يقول هاشم " كل الأربعين .. لا كل السويس تعرف من هما محمد سعودي وأحمد سعودي .. اسألوا أي حد هيقولكم إن عمرهم ما حطوا سيجارة في بقهم، ولا عملوا مشكلة مع أي حد من جيرانهم من يوم ما اتولدوا" .. ويتابع هاشم "ضابط لسه بدبورتين يقتل أثنين ؟ حتى لو معاهمش رخصة قيادة .. يقتلهم، يروح يشوف ولاد الظباط اللي ماشيين بعربيات من غير نمر أصلاً .. إحنا في بلد اللي ملوش ضهر واللي معوش فلوس ملوش مكان فيها ولا ليه أي حق " . وعلى بعد عدة كيلو مترات، يقف سكان منطقة عرب المعمل، الذي قدر لهم أن يكونوا شهود عيان على قتل محمد وأحمد .. يقف بينهم أحد سكان المنطقة ويدعى "شوقي سليمان" في شارع ضيق ينظر لحائط لبني اللون صبغت دماء الشقيقين جزءًا منه باللون الأحمر، ليحكي بثقة رجل ضميره لن يسمح له بأن يكتم شهادة الحق . ويقول ل البديل : "أنا شاهد على الواقعة، أن شفت 2 داخلين بمكنة من الشارع وعربيتين جيب وقفوا على الناصية، ونزل منها ضباط وعساكر جريوا وراهم، وفجأة لقيت ضابط طويل ورفيع طلع المسدس وضرب واحد في رأسه.. مستحملتش المنظر بعدها جريت ناحيتهم لقيت الأتنين ماتوا .. والضابط بيضرب فيهم برجله وبيقول لهم قوم يا ابن ….. ، قربت من الظابط وقلت له : " بتكلم مين دول ماتوا " .. فشتمني .. ولما بدأ يشتم الستات اللي بتصرخ كلنا هيجنا عليه.. جري هو واللي معاه وكسر عربية .. بس الشهادة لله ضابط واحد هو اللي ضرب .. الظابط القصير اللي كان معاه مضربش حد . وكان "أحمد سيد عبد الحكيم سعودي" 26 سنة ومحمد 23 سنة، قد لقيا مصرعهما، في الثامنة من صباح أمس، برصاص ضابط شرطة تابع لمديرية أمن السويس، عندما كانا في طريقهما لإحضار وجبة الإفطار لعمال معمار يعملون بموقع يشرف على تنفيذ أعمال البناء به، مكتب مقاولات تملكه عائلة القتيلين . حيث روى شهود عيان، من سكان منطقة عرب المعمل بالسويس، أنهم فوجئوا بشابين يستقلان دراجة نارية، يمرون من شارع جانبي، ويطاردهم عدد من أفراد الشرطة، قبل أن يطلق أحد الضباط رصاصة استقرت في رأس الشاب الراكب خلف قائد الدراجة، فسقط على الأرض، وعندما نزل الشاب الآخر للاطمئنان على الأول، ففاجئهم الضابط بإطلاق الرصاص على الشاب الآخر، ليسقط بجوار القتيل الأول، ثم عاد أفراد الشرطة لسيارتهم المتوقفة على ناصية الشارع، ثم أطلق أحدهم أعيرة في الهواء، قبل ثوان من مغادرتهم للمكان، بحسب رواية شهود العيان . وقال مصدر أمني بالسويس، إن النيابة أمرت بحبس الضابطين اللذان كانا يستقلان سيارة الشرطة بصحبة عدد من أفراد الشرطة، وذلك تمهيدًا لسير التحقيقات بطريقتها الطبيعية . وقال الضابطين في تحقيقات النيابة أنهما لم يطلقا الرصاص عليهما بشكل مباشر، وأنهما طاردا القتيلان لمدة تقترب من نصف ساعة بعدة شوارع بمنطقة عرب المعمل .