فيما يخص مستقبل الحكم في السعودية، طُرح تساؤل رئيسي هذا العام حول إذا ما كانت وفاة الملك عبدالله ستؤجج صراع بين أكثر الأمراء من أحفاد عبد العزيز بن سعود نفوذا وقوة داخل الأسرة الحاكمة الأول هو مِتعب بن عبد الله بن عبد العزيز(61عام)، والثاني هو محمد بن نايف بن عبد العزيز(55عام). والاثنين يمثلا الجناحين الرئيسيين داخل العائلة السعودية المالكة، الأول جناح الملك عبد الله، والثاني جناح السديريين وأبناءهم. كل من الأميريين يحظيان باهتمام أميركي خاص، فمحمد بن نايف له باع طويل في أروقة السياسة الأميركية، وتربطه علاقات جيدة بواشنطن بحكم أنه المتعاون السعودي رقم واحد في ملف الإرهاب منذ خمسة عشر عام وبالتأكيد سيؤمن استمرار العلاقة الاستراتيجية بين البلدين على كافة الأصعدة. أما متعب فهو الابن القوي للملك عبد الله، الماسك على زمام الأمور داخل أهم الوزارات السيادية في المملكة وهي وزارة الحرس الوطني، ومتنفذ بقوة في القوات المسلحة السعودية، ويشكل مع خالد التويجري، رئيس الديوان الملكي، تكتل نفوذ لا يستهان به داخل البيت السعودي وبالتالي رجح عدد من المحللين الأميركيين أن توثق واشنطن علاقتها به. الاثنين من الجيل الثاني، ومثلت 2014 وما تم اتخاذه من تنقلات داخل مفاصل النظام السعودي تمهيد لانتقال الحكم إلى هذا الجيل، ولكن حتى الأن لا توجد دلائل تؤكد أن هذا سيحدث بشكل سلس، وتأكيداً على هذا جاء إعفاء بندر بن سلطان، ليخرج من قائمة المرشحين للحكم سواء ولاية العهد او المُلك من بين ابناء الجيل الثاني، واستحداث منصب وليَّ العهد وتعيين شخص يمكن وصفه بالحيادي، كونه من أخر ابناء الملك المؤسس ولديه اشكاليات كبيرة تتعلق بواقعية توليه الحكم مستقبلا، لتنحصر-حتى الأن- بين جناحين يمثلهما متعب بن عبد الله ومحمد بن نايف. درس محمد بن نايف العلوم السياسية وتخرج بدرجة البكالوريوس من جامعة "لويس آند كلارك" بالولاياتالمتحدة، أعقبها التحاقه بعدة دورات خاصة بدراسة مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي"، وكذلك بمكتب التحقيق الشرطي البريطاني "سكوتلانديارد" فرع مكافحة الإرهاب، ومن ثم عاد إلى السعودية ليبدأ نشاطه في الأعمال والتجارة إلى أن عُين بموجب مرسوم ملكي كمساعد لوزير الداخلية عام 1999-في عهد تولي والدة نايف بن عبد العزيز وزارة الداخلية-وتم التمديد له مرة جديدة في عهد عمه أحمد بن عبد العزيز-تولى الوزارة لمدة 6 أشهر فقط- الذي خلف والده الذي أصبح وليَّ للعهد بعد وفاة ولي العهد الأسبق، الأمير سلطان بن عبد العزيز. لنايف أهمية بالغة في المنظومة الأمنية السعودية، حتى قبل تولية الوزارة في 2012، فكان له الدور الأهم في معالجة ملف الإرهاب، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، فكان هو الرجل الذي تعتمد عليه الولاياتالمتحدة في متابعة المرتبطين بتنظيم القاعدة سواء كانوا سعوديين الجنسية أو ناشطين في شبة الجزيرة العربية، وخاصة في اليمن. كما أنه أحدث طفرة في مجال مكافحة الإرهاب وهي إنشاء وإدارة ما عرف بمراكز لجان المناصحة، التي تعمل على إعادة تأهيل المنتمين للأفكار الإرهابية. وتعرض لمحاولة اغتيال عام 2009 عندما طلب أحد العناصر المنتمية لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة مقابلته بإدعاء حوزته معلومات هامة عن الإرهابيين، إلا أن محمد نجى من محاولة الاغتيال. ويذكر الباحث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، "سايمون هاندرسون"، أن رؤية محمد بن نايف الأمنية تتفق مع الرؤية الأميركية في معالجة ملف الإرهاب، وإن كان يختلف مع الرؤية السابقة في التعاطي مع الإسلاميين عموما، وأنه كان الشخص الوحيد الذي أعترض على نهج السعودية تجاه الأزمة السورية من باب أن ذلك سيكرر ما حدث في افغانستان وما تبعه من ضرر لبلاده، فبعد أن تولت السعودية وقتها تصدير الجهاديين لمحاربة السوفييت، وهو ما أفرز في النهاية تنظيم القاعدة، فإن فتح قنوات الدعم للإرهابيين في سوريا بمختلف أشكاله والسماح للسعوديين بالذهاب إلي هناك لإسقاط نظام خصم لبلاده فأنه سيجلب مضار أكثر، ويرى هاندرسون أن المرسوم الذي صدر في مارس 2014 بتحديد التنظيمات الإرهابية وقف وراءه بن نايف، الذي أوكل إليه بالملف السوري بعد إعفاء عمه، بندر بن سلطان، من منصب رئيس الاستخبارات السعودية، في إطار تحول السعودية لمرحلة وقائية من ارتداد الإرهاب الذي صدرته لسوريا منذ مطلع 2012 وكذلك توجه النظام السعودي للحد من نفوذ جماعة الإخوان. وداخلياً يحظى بن نايف على شعبية كبيرة بين أبناء السعودية، فيعتبره البعض الأكثر شعبية من بين أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود. أما متعب الابن الثالث للملك عبد الله، فسلك طريق اعتيادي لأقرانه في الأسرة المالكة من أبناء الجيل الثاني وأحفاد الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود، فنشأ بالسعودية في أحدى القرى الذي كان جده لأمه أميراً عليها، وأتم تعليمه الأساسي بالرياض، وألتحق بجامعة الملك سعود متخصصاً في العلوم الشرعية، لكنه سرعان ما ترك الجامعة وسافر إلى إنجلترا، لدراسة العلوم العسكرية بأكاديمية "ساندهيرست" البريطانية في السبعينيات، ويرجح أن ذلك التحول تم بإرادة والده، الذي بدأ حينها دوره ينمو في السياسة السعودية، وعاد إلى المملكة وأنخرط في صفوف الجيش السعودي، وسرعان ما ترقى إلى رتبة عقيد، ليصدر مرسوم من والده الذي كان وليَّ للعهد وقتها بتعينه مديراً لكلية الملك خالد الحربي، وبعدها حصل على ماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان في الرياض، وترقى إلى رتبة عميد، ليعينه والده من جديد في منصب رئيس الجهاز العسكري بهيئة الحرس الوطني. وفي عام 1995 تمت ترقيته إلى رتبة فريق، وأصدر الملك فهد بن عبد العزيز في عام 2000 مرسوم باستحداث منصب نائب رئيس الحرس الوطني للشئون العسكرية وتم تعينه فيه، بالوقت الذي كان والده رئيساً الحرس الوطني بحكم ولايته للعهد، وفي 2009 وبعد أن أصبح والده الملك، تم إصدار مرسوم بتعينه نائباً للوزارة للشئون التنفيذية بحقيبة وزير، وإنهاء خدمته العسكرية وفي 2010 أصدر والده مرسوماً بإعفاء نائب الحرس الوطني، الأمير بدر بن عبد العزيز، وتعيين متعب مكانة بمرتبة وزير دولة. وجاءت القفزة الكبرى لمتعب في 2013 بتحويل الحرس الوطني إلى وزارة، وتعينه وزيراً بمرسوم ملكي من والده، وذلك للمرة الأولى التي يكون رئيس الحرس الوطني ليس ولياً للعهد، وهو ما أخرج الخلافات بين الأجنحة في الأسرة المالكة إلى العلن من، وبشكل أساسي بين جناحي السديريين، وجناح الملك عبد الله الذي عمل من 2010 على تقليص نفوذهم ونفوذ أبناءهم، وتعيين الغير سديريين في المناصب الحساسة في الدفاع والحرس الوطني والاستخبارات. وبينما يحظى محمد بن نايف بنفوذ أكبر وشعبية واسعة بحكم منصبه وسمعته، وكذلك علاقات قوية مع الولاياتالمتحدة بحكم تجارب العمل المشترك والتنسيق المستمر لما يقارب العقدين، فإن متعب لا يتمتع بنفس العلاقة القوية مع واشنطن، ولا النفوذ الداخلي سواء في الأجهزة التنفيذية بالمملكة أو العائلة المالكة، فمن ناحية يعد محمد بن نايف بحكم الواقع الشخص الأقوى في جناح السديريين، بينما متعب ومع القفزات الواسعة في مسيرته في الأعوام القليلة الماضية بفضل والده، منخرط أكثر في الشئون العسكرية لا السياسية، وشعبيته الداخلية ليست بحجم شعبية بن نايف، وكذلك لا يحظى بدعم من أفراد الأسرة المالكة مثلما الذي يحظى به محمد، إلا أن متعب ومنذ العام الماضي، وبمساعدة رئيس الديوان، خالد التويجري، قد خطى أشواط معقولة في سد الثغرات التي بطريقه إلى العرش، فمن حملات ترويجية له في الإعلام الغربي، لزيارات لمقابلة المسئولين الأميركيين، بتخطيط ودعم التويجري، الذي أزعج الكثير من أمراء الأسرة المالكة وعلى رأسهم بن نايف وسعود الفيصل وخالد بن بندر، والأخير شهد 2014 توليته وعزله من مناصب عدة كانعكاس للصراع بين جناح التويجري ومتعب وبين جناح السديريين، فأولا عُزل من قيادة القوات البرية، وتم تعينه أميراً للرياض بمرتبة وزير، ثم نائباً لوزير الدفاع، ثم عزله من هذا المنصب وتعينه في منصب رئيس الاستخبارات السعودية. بشكل عام لا يوجد اختلاف بين الأميرين فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والداخلية للمملكة، فكلاهما ضد الإصلاح السياسي داخليا ويحظى بن نايف بسجل حقوقي سيء فيما يتعلق بقمع الحريات، وكلاهما متماهين مع السياسة الأميركية، ويتبنون نفس الموقف تجاه إيران وحركات الإسلام السياسي، إلا أن محمد بن نايف يحظى بأفضلية داخلية حيث الشعبية والسمعة الطيبة بين ابناء القبائل السعودية الموالية للنظام، وفي أوساط القطاع الأمني والحكومي وداخل الأسرة المالكة باعتباره من السديريين وأقواهم، وعلى مستوى خارجي أنه يخبر الأميركيين ولديه سوابق ناجحة في التعامل معهم، لكنه في الوقت نفسه لديه علاقة سيئة مع الإمارات حليف المملكة القوي عربيا وخليجيا، وخاصة مع أبناء الشيخ زايد، وعلى عدم وفاق مع آل الحريري في لبنان. حاول متعب في العام الماضي مجاراة بن نايف بشكل تنافسي وصل إلى حد الصراع العلني، وحتى تدخل الملك وعين مقرن، الذي جاء تعيينه كتهدئة مؤقتة تضمن انتقال هادئ للحكم إلى الجيل الثاني. ولكن يبقى أن الصراع بين الاثنين لم يتوقف واستئنافه منوط في النهاية باللحظة التي سيتوفى فيها الملك عبدالله، أو وليَّ عهده الحالي الأمير سلمان بن عبد العزيز، الذي يعاني الخرف، وبالتالي سيكون منصب ولاية العهد من نصيب مقرن، ويبقى المنصب الجديد (وليُّ وليَّ العهد) من نصيب الفائز من بين الأميريين، متعب ومحمد.