أول استعمال لمصطلح "الدولة العميقة" كان في تركيا خلال القرن الماضي، وهو مجموعة من التحالفات المنظمة بين أفراد نافذين ومؤسسات في الدولة العلمانية الأتاتركية للحيلولة دون العودة إلى الإسلام. هي بمثابة دولة باطنية تمتلك نفوذا قويا على صناعة القرار السياسي العام في تركيا بعد إسقاط الحكم العثماني سنة 1924، وكان عمودها الفقري هو المؤسسة العسكرية ذات النفوذ العلني الرسمي والقانوني والباطني غير الشرعي ،وبعد الحرب العالمية الثانية ونشوب الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي و الاشتراكي استأنفت الدولة العميقة رحلتها إلى القارة الأمريكية، فدفاعا عن المصالح القومية الأمريكية والمصالح الرأسمالية في العالم ضد هجمات المد الشيوعي العالمية، أعطى الرئيس الأمريكي "ترومان" أمره بإنشاء الوكالة المركزية للمخابرات ومكتب التحقيقات الفيدرالي في أربعينات القرن الماضي. كان هذا الحدث الميلاد الرسمي للدولة العميقة في الولاياتالمتحدة، هذه الدولة العميقة ستنظم مئات العمليات السرية والانقلابات الفاشية في العالم، وبالأخص في أمريكا اللاتينية، والتي انتقلت لها فكرة الدولة العميقة، ثم انتشر كيان الدولة العميقة في جل دول العالم غير الديمقراطي، بفعل الحرب الباردة بين المعسكرين. وفي هذا السياق، قال موقع "جلوبال ريسيرش" البحثي إن هناك اختلاف واسع النطاق في الولاياتالمتحدة بين الشعب وبين الدولة التي وضعت الدستور، حيث القوات القمعية التي تكمن خلف الثروة والسلطة والعنف خارج الحكومة، كل ذلك يطرق الباب الخلفي للدولة العامة، ويتيح الوصول إلى قوى الظلام خارج القانون. يضيف الموقع أن الدولة العميقة الأمريكية هي على المستويات الدولية والمحلية سائق لما يسمى بالديمقراطية، ولكنها خارج النطاق الدستوري، وتسيطر في العامة على القمع، والآن هي أهم من الحكومة العامة نفسها. ويرى الموقع الكندي أن الاحتكارات الإعلامية الأمريكية هي أحد ركائز الدولة القمعية، حيث جدول الأعمال المخطط للإغفال والتضليل حول أهم القضايا الراهنة، وليس من المستغرب أن قضايا الدولة العميقة لا تخضع للرقابة. ويشير الموقع إلى أن وسائل الإعلام تعمل على إعادة هيكلة الأحداث وتحويلها بالشكل الذي تريده، حيث تقوم بعملية انقلاب أو تجديد. ويلفت "جلوبال ريسيرش" إلى أن الانقلاب غير الشرعي في أوكرانيا على حكومة الرئيس المنتخب ديمقراطيا "فيكتور يانوكوفيتش" هو الحدث الهيكلي الدولي الذي غير وجه العالم، فالدعم الأمريكي السري لتغير النظام والانقلاب نفسه تم حذفه من قبل وسائل الإعلام في الولاياتالمتحدة. يؤكد تقرير لمجلة " بلد آم زونتاج" الألمانية أن الغرب كان مسؤولا عن الانقلاب الأوكراني، وتوضح أن الولاياتالمتحدة أرسلت مرتزقة لتنسيق الهجمات مع المليشيات الأوكرانية المناهضة للحكومة. ويوضح الموقع أن وسائل الإعلام الأمريكية حتى الآن تخفي تورط شركة بلاك ووتر في الأحداث الأوكرانية، ولكن الآن مع تطور واحتدام الحرب الأهلية الأوكرانية تتدخل الدولة العميقة الأجنبية مرة أخرى، لتدين المجني عليه وتنصر الجاني. ويلفت الموقع الكندي إلى أن الدولة العميقة الأمريكية ظهرت في 11 سبتمبر 2011، مع حربها ضد أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا الآن. يعد تقرير لجنة الاستخبارات في الكونجرس الأمريكي عن استخدام المخابرات الأمريكية التعذيب تجاه المشتبه في تورطهم في أعمال إرهابية، ضربة ضد الدولة العميقة في الولاياتالمتحدة. طالما كان لوكالة الأمن القومي نفوذا على الإدارات الأمريكية واحدة تلو الأخرى سواء جمهورية أو ديمقراطية، وتهرب باستمرار من قيود التدقيق السياسي، وكالة الأمن القومي ضخمت مفهوم الدولة العميقة في الولاياتالمتحدة، وأصبح هناك المزيد من التركيز على كيفية عمل أجهزة المخابرات. ويلفت الموقع إلى أن الرئيس أوباما، الذي نادى في حملته الانتخابية بالمزيد من الشفافية واحترام حقوق المشتبه في كونهم إرهابيين أثناء ملاحقتهم، بدا في بعض الأحيان محاصرا من المخابرات الأمريكية، المتمثلة في الدولة العميقة. تسير القيادة الأمريكية في اتجاهين، الأول هو الاعتماد على المنصات الإعلامية والدبلوماسية، والتي في الغالب تظهر ما يريده البيت الأبيض، والثاني هو اعتماد الرئيس على مؤسسات القومي في تنفيذ مخططاته، بصورة تبدو في غاية السرية.