"الذرة المشوى.. الحمام السخن".. بصوتها الخافت الهادئ تجلس "نعيمة عمار".. تلك العجوز صاحبة الثمانين عامًا.. تقاتل لآخر لحظة.. رغم التعب والإرهاق ومرور الزمن، إلا أنها لا تستسلم لمد اليد والتواكل على إحسان الآخرين. فرغم كبر سنها تجلس فى برودة الشتاء القارس على الأرض فى شارع عبيد المطل على كورنيس النيل بمنطقة الساحل، وأمامها حبات الذرة وبوتقة الفحم المشتعل لتستمد منها بعض الدفء. وجهها العجوز يختصر حكايات وقصصًا كثيرة بطلها الفقر والمعاناة. زوجها توفي منذ 20 عامًا، وكان فكهانيًّا، فهى الأرملة التى تكبدت رعابة ثلاثة أبناء، هم: عيسى ومحمد وعربى، وتفضل أن يتم مناداتها بأم عيسى، تيمنًا بالمسيح عليه السلام والسيدة العذراء؛ لعلها تجد وجهًا للشبه بينها وبين تحمُّل السيدة العذراء فى رعاية النبى الصغير من المخاطر، مثلما فعلت مع أبنائها الثلاثة؛ لتعبر بهم إلى بر الأمان. تحكى أم عيسى عن يومها قائلة "باصحا الصبح بدرى من بعد الفجر تقريبًا، وأذهب إلى بشتيل بإمبابة، حيث محل التقاء المزارعين الذين يحملون بضاعتهم للقاهرة؛ لشراء 50 كوز ذرة شامية يوميًا، ثم أعود بهم، وأفترش الأرض منذ الثامنة صباحًا، فزبائنى مختلفون، منهم تلامذة المدارس، ومنهم موظفون وربات بيوت، وسعر الذرة يبلغ 75 قرشًا. مرت لحظات من الصمت بعد سؤالها عن أمنياتها فى الحياة، فقالت "نفسى ربنا يكرم ولادى. أنا اللى باصرف عليهم حتى الآن، فهم نايمين فى البيت من غير شغل. نفسى ربنا يشفينى لاحسن يا بنتى إيدى بتوجعنى أوى من كتر شوي الدرة، ومش باوافق أروح أكشف توفيرًا لأجرة اليومية التى لا تزيد عن 15 جنيه، باقول عيالى أولى بهم". وأضافت "أنا نفسى الريس السيسى يهتم بالغلابة اللى زينا. إحنا فرحنا لما بقى رئيس، ووضعنا أملنا فى نصرته للفقراء، لكن حتى الآن ما فيش جديد. أنا لو مت بكرة خلاص أنا مش زعلانة، عشت كتير، ونفسى فى مستقبل لأولادى ولقمة عيش حلال". وتابعت "أنا عايزة أرتاح. أنا تعبت أوى. أنا مستعدة أروح آخر الدنيا، أستسمح المسئولين عشان يشغلوا ولادى. أنا خايفة أموت وأتركهم بلا عائل. مش طالبين غير الستر والفرج". ها