أبو الدراما التاريخية والشعبية يسري الجندي: أطالب بثورة في منظومتي التعليم والثقافة مستقبل العرب مرهون باستعادة مصر دورها الإقليمي الهجوم على ثورة يناير استكمال لضرب مشروع عبد الناصر وأد القضية الفلسطينية خطوة لتفتيت العالم العربي.. وحماس لا تمثل الفلسطينيين يجب تغيير النسق الثقافي والإبداعي لاستعادة قوتنا الناعمة الدور القطري الحالي.. عمالة واضحة للمصالح الصهيونية والغربية يطالب الكاتب الكبير يسري الجندي بثورة في الثقافة والتعليم كقاطرة لتغيير حقيقي، ويرى أننا ما زلنا بعيدين عن تشكل قوة ناعمة تستعيد الدور الريادي لمصر في المنطقة، ويعبر عن قلقه من الانتخابات البرلمانية المقبلة. الجندي، صاحب التجربة الأعرض بين كتابنا في الدراما التاريخية والنهل من تراثنا الشعبي، تشتبك أعماله مع قضايانا القومية، أبحر في عالم السير الشعبية واستدعى نماذج من أبطال العرب، من مسرحياته: حكاوي الزمان، المحاكمة، عنتر زمانه، عنترة، عاشق المداحين، الهلالية، رابعة العدوية، حدث في وادي الجن، سلطان زمانه، الساحرة، الإسكافي ملكًا. ومن دراماه التليفزيونية: عبد الله النديم، نهاية العالم ليست غدًا،أهلًا جدي العزيز، علي الزيبق، مملوك في الحارة، المدينة والحصار، علي بابا، قهوة المواردي، جمهورية زفتى، التوأم، جحا المصري، الطارق، سقوط الخلافة. وقيد الانتاج ملحمته عن سيرة الفلاح المصري "همس الجذور"، وقدمللسينما "المغنواتي" و"سعد اليتيم" و"أيام الرعب" و"نحب عيشة الحرية". نال جائزة الدولة التشجيعية في المسرح 1981، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، جائزة الدولة للتفوق في الفنون 2005، ونالت أعماله العديد من الجوائز. عروبي الهوية، لم تفقده أنواء السياسة وتقلباتها، يقين بوصلة لا تحيد عن الانحياز للحق. منذ بدايات خطواته الأولى في مشواره الإبداعي حضر الصراع العربي الصهيوني بقوة في مسرحية "ما حدث لليهودي التائه مع المسيح المنتظر"، التي كتبها عقب نكسة 1967 وتعرضت كل محاولات تقديمها لأزمات رقابية، كان آخرها معالجته الجديدة لها في عرض "القضية 2007″ للمخرج منير مراد، ومثلت مسرحيته "واقدساه" -1984- نموذحا للتعاون المسرحي العربي لم يتكرر لاحقًا، شارك فيها فنانون عرب، وعرضت في القاهرة وعمان وبغداد وبابل ودمشق. وكانت ل"البديل" معه هذا الحوار.. هل ما زالت فلسطين قضية العرب المركزية رغم الصراع الدائر بالمنطقة؟ القضية الأم هي التسمية الصحيحة؛ لأن كل ما تعانيه المنطقة سببه هذا الكيان العميل للغرب، الذي يتولى حمايته ويضمن تفوقه. تمر القضية الفلسطينية بحراك مختلف بعد التحولات الثورية العربية، والأمر كله مرهون بنجاح الموقف المصري وثباته وتناميه وعودة القاهرة إلى موقعها القائد، وإتمام المصالحة الفلسطينية. تأكدت العلاقة بين القضية الفلسطينية ومصير العالم العربي، رغم الخسائر الكبيرة لمشروعنا القومي، الذي تراجع إلى حد الانكسار، ومثل مشروع عبد الناصر العقبة الكبيرة ضد هيمنة الغرب، وبمجرد اختفائه عن الساحة انهار العالم العربي؛ خاصة بعدما انكسرت مصر وانكفأت على نفسها بعد اتفاقية كامب ديفيد والانفتاح ومحاولات طمس إنجازات ثورة يوليو. لماذا تشابهت أوائل أعمالك عن القضية الفلسطينية مع آخرها، كمسلسل "خيبر" الذي شكَّل بدايات الصراع وتكوين الدولة الإسلامية في المدينةالمنورة؟ لأن الصراع العربي الصهيوني قضيتنا المركزية كعرب، وتتطلب البحث في واقعه وجذوره، كتبت مسرحية "ما حدث لليهودي التائه مع المسيح المنتظر"، في أعقاب نكسة 1967 كاشفًا التحالف بين الصهيونية وأمريكا، وهو عمل تعبيري يجمع بين الميثولوجيا الدينية والوقائع التاريخية التسجيلية. وأنا متهم منذ أربعة عقود بمعاداة الصهيونية، لا أرفض الديانة اليهودية، لكنهم كتبوا التلمود على هواهم، وعلى مر التاريخ طوروا نمطًا من استغلال الدين، ودومًا كانت الأهداف السياسية والاقتصادية أساس الصراع، ما ظهر في صراعهم الأول مع العرب المسلمين، حيث تحالفوا مع أعدائهم سادة قريش وهذا ليس تحالفًا دينيًّا، لكن استخدام الجانب الديني مبني على مزاعم لا يؤمنون بها، وحاليًا قضية يهودية الدولة ليس هدفها دينيًّا وإنما سياسي، لتصفية كل الوجود الفلسطيني، فدومًا تستخدم إسرائيل ورقة الدين لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وتتحالف معها الدول التي تتربص بالدول الضعيفة بشكل عام، فهو توظيف انتهازي للدين لمصلحة السياسة، فالصهيونية ليست حركة جديدة وإنما عقيدة نمت في الشخصية اليهودية وتكونت على مدى عصور كثيرة. لماذا اخترت عصور الإسلام الأولى تحديدًا؟ لأنها أول صدام حقيقي بين اليهود والعرب، وهو ما حدث في المدينةالمنورة، فقراءة هذه المرحلة التاريخية توضح أن الإسلام في بداياته البكر جاء ليرد على الطغيان والفساد وينتصر لقيم المساواة والعدل، وهي أفكار تقلق اليهود؛ لأنها تهدد مجتمعهم الطبقي والسيادة والتحكم في الاقتصاد عندما يتساوى العبيد بالأسياد، جوهر المسلسل التأكيد تاريخيًّا أنهم على هذا النحو من العنصرية والغدر إلى الأبد، وهو ما أثار حماستي للكتابة عن الفترة التي تمتد من السنة الأولى للهجرة إلى السابعة حتى آخر معركة ضد حصون خيبر. ألا تخشى تأثير العمليات الإرهابية في سيناء المتورطة فيها حماس على الموقف الشعبي من القضية الفلسطينية؟ نواجه محكًّا خبيثًا؛ لأن جانبًا من الكيان الفلسطيني في غزة يمثل الجانب المتطرف من حركة حماس الذي تآمر ضد مصر وشارك في مخطط تقسيم سيناء وضلع في الارهاب الدموي، لكنه لا يمثل الفلسطينيين ولا حتى كل غزة. موقف حماس المعادي لخيارات الشعب المصري وضعنا في محك صعب؛ لأن الوقوف بجانب فلسطين يقع على كاهل مصر من البداية، ومصر مصرة على الاستمرار في لعب دورها، وحاليًا تجري محاولة هز هذا الدور، وقطاع من الناس في مصر وقع في هذا الفخ، لكن النظام متمسك بدعم القضية الفلسطينية؛ لأنه يدرك أن وأدها الخطوة الأولى في سيناريو تقسيم العالم العربي. هل يختفي ما عرف بالنظام العربي، مع التدخلات الغربية وأطماع أطراف إقليمية؟ النظام السوري ما زال صامدًا، وإن كان الشعب السوري يدفع ثمنًا باهظًا لذلك، لكنهم مستميتون في الدفاع، وعلى عكس محاولات الخفاء في الموقف الأمريكي، تمارس تركيا لعبة مكشوفة، باستخدام خطر داعش لضرب سوريا ودعم صراعها مع الأكراد، وكلها لحسابات تضر بالحلم الفلسطيني الذي ما زال يقاوم، والدولة المصرية التي ضربت معادلتهم في مقتل. اللعبة واضحة، والمخاطر والأطماع ظاهرة للكل، لكن أطرافًا محلية، هنا وهناك، تمارس خلافاتها رغم المخاطر المحدقة بها كما يحدث في العراقوسورياوغزة. نعيش موقفًا معقدًا يُستغل غربيًّا لنشر ما يسمونه بالفوضى الخلاقة، لكن فشل محاولاتهم السيطرة على القاهرة، عبر جماعة الإخوان أوجعهم، فحاولوا أن يعوضوها بإشعال المنطقة كلها حول مصر، من العراق إلي ليبيا، مرورًا باليمن وسورياوغزة والسودان وإثيوبيا لحصار مصر. حتى الآن نحن صامدون، فرد الفعل عربيًّا بعد ثورة 30 يونيو جاء عكس تيار الأطماع الغربية، لنرى نقاطًا مضيئة في محاولة إحياء الجيش الوطني الليبي وصمود الأكراد ضد داعش. الوضع كله مرهون باستعادة مصر لدورها، حينها ستنجوالمنطقة، وعلينا صياغة معادلة وطنية وقومية جديدة، لإعادة لمّ الشمل العربي. هل أداء النظام المصري على قدر هذه المسئولية؟ النظام يحمل توجها وطنيًّا حتى لو بدا أن الحكومة تندفع لاستثناءات مغايرة؛ بسبب الهجمات الإرهابية الشرسة لدرجة أن القيادة المصرية بدأت تتعثر، ولأول مرة أرى العصبية الشديدة في خطاب للرئيس السيسي، فتأثرنا واهتزت ثقتنا كنظام بسبب استنزاف الصراع، ولابد من وقفة لتصحيح الثغرات في أداء حكومتنا، فاذا كان المسئولون مقصرين، لماذا لا يتم تغييرهم؟! فالأمن القومي ليس الجيش والشرطة والاقتصاد فقط، وإنما مرهون بأمور عديدة منها الثقافة التعليم ونظام صحي لائق للمواطن العادي. أعداؤنا يراهنون علي معاناة الشعب التي فجرت 25 يناير قواه، وللأسف بسبب الضغط الاقتصادي والأمني بدأ البعض يتشكك في ثورة يناير، والبعض الآخر يستغل ذلك لتشويهها وطمس حقيقة بأنها ثورة شعبية حقيقية طليعتها الشباب. وأخشى استغلال معاناة الناس في المعركة الانتخابية المقبلة، والشعب المصري، رغم امتلاكه فطرة جيدة بحكم تاريخه الحضاري، إلَّا أن وعيه تعرض لعملية طمس على مدى عقود، في مواجهة خطرين، تسلل الإخوان بوسائلهم القديمة عبر التخفي، ومواجهة عناصر الحزب الوطني التي توجد دلائل على ارتكابها جرائم في حق الشعب من نهب وفساد واستغلال نفوذ. هل تشعر بمصداقية فكرة العالم العربي ككتلة إقليمية موحدة؟ نعم، التاريخ يؤكد صحة توجه الزعيم جمال عبد الناصر للوحدة العربية، مدعومًا بحقيقة ارتباط المنطقة العربية بتاريخ ومصالح مشتركة، وهو درس نتعلمه اليوم بالطريقة الأصعب مع ما نشهده من اتساع مد التطرف الديني والعنف، الذي يتمسح في اسم الإسلام، هكذا تأكدنا أن المنطقة كلها بحاجة إلى كيان قادر على هذه المواجهة المصيرية؛ فمصالح إسرائيل والغرب تكمن وراء مشهد الإرهاب وجماعاته المسلحة. ألم ينعكس هذا بالسلب على الهوية الوطنية المصرية؟ مررنا بتجربة شرسة، فخطورة الإخوان كانت في تخطيطهم لتغيير مسار الهوية المصرية، بملامحها المميزة ووسطيتها المتجذرة في الثقافة الوطنية للشعب، وما تراكم في ذاكرتهم وحضارتهم كمناعة ضد محاولات اختراق الهوية. حمايتنا الأولى الثقافة والإعلام والفنون. وعن استعادة حيوية قوانا الناعمة، في مواجهة هجمات قوى ناعمة غربية وتركية؟ حتى نسترد قوانا الناعمة، لابد أن نستعيد النسق الثقافي والإبداع الفني والتجديد في الخطاب الديني. لا أفهم كيف نصمت أمام اكتساح الدراما التركية لشاشاتنا؟! حين يشتد عود الدولة ستنصلح أمور كثيرة، في مقدمتها تنشيط الفن والثقافة، بوصفهما إحدى ركائز الأمن القومي. لك تجربة في توزيع مسلسل "سقوط الخلافة" خارج الحدود العربية، ودبلجته إلى التركية، هل تراه بداية رد مناسب على الغزو الدرامي القادم من أنقرة؟ اتمني ذلك، استهدفت في المسلسل دراسة مرحلة مهمة من تاريخنا، ومحاولة فهم جذور الخلل والانهيار الذي يعانية عالمنا العربي، ودور الفساد في إضعاف الدولة العثمانية وولاياتها. الدرس واضح.. هزمنا لضعفنا نحن قبل قوة عدونا، ضعفنا الحضاري قبل العسكري. هكذا كانت حتمية الخروج من العصر العثماني للحاق بعصر جديد، ورغم ذلك لا تزال أوهام العثمانية القديمة تداعب البعض مثل أردوغان، رغم أن تاريخ تركيا يقول إنه انتهي وعليه أن يدخل عصرًا جديدًا متخففًا من عباءة الخلافة العثمانية، ما يذكرنا بأننا، أثناء فترة مقاومة الاحتلال الإنجليزي، كانت هناك حركات وطنية ذات هوى عثماني، غير مدركين أن الدولة العثمانية جزء من مأساة الدول العربية. . ثارت تساؤلات حول توقيت إنتاح "سقوط الخلافة" عبر شركة قطرية، هل أعدت تقييم التجربة بعد تورط قطر مع نظام الإخوان وتركيا؟ المسلسل إنتاج خاص، عبر شركة رجل الأعمال هاشم السيد، ولا علاقة له لا بالدولة ولا بأي جهة رسمية قطرية. دفعنا لهذه الشراكة الإنتاجية العربية أننا في مصر لا نستطيع إنتاج أعمال تاريخية ضخمة؛ بسبب الميزانيات والنظرة التجارية وهيمنة الوكالات الإعلانية. بالتوازي مع هذا، موقفي محسوم: ما يحدث من قطر عمالة واضحة للمصالح الأمريكية والإسرائيلية. . انحزت لثورة يناير ودافعت عنها.. لماذا لم تكتب عنها عملًا دراميًّا؟ لا يصح الكتابة دراميًّا عن فترة أنت منغمس فيها.. وما زال الصراع دائرًا حولها، والمعركة مستمرة. أي إبداع حقيقي لابد أن يكون على مسافة من الفترة والتجربة التي تعيشها.