يعشقها الأطفال والكبار، خاصة في فصل الشتاء، تملأ متناوليها بالدفء وبعض السعادة.. «الزلابية» أو «لقمة القاضي»، فعلى بُعد خطوات من محطة الطالبية بشارع فيصل، تشم رائحتها التى تخترق زحام موقف «الميكروباص» و«التوك توك»، ووسط الزحام يقف «إبراهيم عجمي» على عربته المتهالكة، يُسرع في قطع العجينة الموجودة داخل إناء ضخم بيده، مستخدماً معلقة صغيرة بيده الأخرى لتقع لقيمات العجينة داخل الزيت المغلي. هيئته البائسة ووجه العابس، يحمل ورائه هموم تجعله لا يشعر بتطاير نقاط الزيت المغلي على يده القريبة من الإناء، ويسرع في تعبئة ما نضج للزبائن في «قراطيس» أو أطباق من الفلين الأبيض، فمن 50 قرشا حتى 5 جنيهات، تتناول نصيبك من «الزلابية» التي يقدمها لك ساخنة، واضعاً عليها السكر المطحون في دقيقة أو دقيقتين. اقتحمت «البديل» صمت «إبراهيم»، الذي يبلغ من العُمر 35 عاما، والقادم من محافظة المنيا إلى القاهرة منذ 7 سنوات؛ ليشق له طريقا وسط زحام العاصمة بمهنته التي بدأها قبل 15 عاماً، رغم حصوله على شهادة الدبلوم، وعمله لسنوات كمشرف اجتماعي في إحدى دور الأحداث بمحافظته، إلا أنه اضطر لتقديم استقالته وترك الوظيفة؛ بسبب ضعف راتبه البالغ 105 جنيهات، ويزيد سنوياً بمقدار 10 جنيهات فقط. قرر «إبراهيم» المجيء للعمل بالقاهرة الكبرى، وتحديداً في منطقة الطالبية، كبائع «زلابية»، بعد أن انفصل عن زوجته التي لم تتحمل العيش بدخله الضعيف وعمله غير المنتظم، مقررة تركه بأطفاله الثلاثة التي لا تستطيع تحمُل مصاريفهم. يعيش «عجمي» في شقة إيجار، ويتراوح دخله عربة الزلابية بين 30 إلى 60 جنيهاً في اليوم، حيث يقضى أكثر من 9 ساعات واقفاً على قدمه يومياً، قائلاً: «يادوب بيكفوا أكل وشرب وإيجار». «إبراهيم» لم ينته عمله بمجرد نضوب العجين، فيعمل كرب لأسرته الصغيرة المكونة من ثلاثة أطفال أكبرهم يبلغ 7 سنوات، حيث يؤدى بنفسه جميع الأعمال المنزلية من "غسل وتنظيف وإعداد للطعام"، قائلاً: "اتعودت أعمل كل حاجة بنفسي في البيت وفي الشغل". يملك «عجمى» وحده "سر خلطة" الزلابية، التي يتحدى بها منافسيه في الأحياء الراقيه والمناطق الأخرى، مؤكدا أنه لم يتعلمها من يوم وليلة، بل يشق خطاها لمدة أربعة أشهر عن طريق أحد معارفه الذي رفض تعليمه طريقة التحضير في وقت قصير، وتركه يجرب ويخطأ ويخسر، متطمئنا: «لازم أخسر عشان لما اتعلمها أقدر أحافظ عليها»، ومستطردا: «وفعلاً حافظت عليها، ومن يومها من 15 سنة ولغاية النهاردة بعملها بنفس الطعم». ولم ينج «عجمى» من غلاء أسعار الخامات التي يستخدمها في إعداد "الزلابية" من دقيق وزيت وخميرة، وعلى الرغم من ذلك ظلت أسعاره كما هي، مبررا: "مش عاوز أغلي السعر على الزباين عشان الزلابية من الحاجات الرفاهية للناس، كفاية كل حاجة غليت". وأرجع سرّ إقبال المواطنين على تناول ال"زلابية" في فصل الشتاء؛ لاحتوائها على الخميرة والسكر، وتقديمها ساخنة يُشعر الجسم بالدفء، وهو ما يحتاجه المواطنين في الشتاء، متمنيا: "نفسي في وظيفة ثابتة تعيشني أنا وعيالي كويس".