رصدت "البديل" معاناة الأهالي والحزن الذي يخيم على الوجوه بمدينتي رفح والشيخ زويد في محافظة شمال سيناء، لنقص الخدمات وحظر التجوال وتعليق الدراسة ووقف حركة البيع والشراء وغيرها من الخدمات، ما يوحي بانتهاء الحياة في المنطقة، جراء الأعمال الإرهابية التي تضرب المحافظة وأهلها الذين أكدوا تضامنهم مع الجيش والشرطة وتحملهم فوق طاقتهم لحين القضاء تمامًا على الإرهاب الأسود. الشيخ زويد.. منازل مغلقة ومحلات مهدمة بحلول المساء، تحديدًا في تمام الخامسة، تُغلق البيوت على أهلها، فتنقطع صلتهم بما حولهم، ويسود السكون الأرجاء، لا يشوبه سوى أزيز الطائرات التي تُجرى مسحًا أعلى المنازل، وأصوات المدرعات التي تُجرى دوريات لضبط خارقي حظر التجوال، هذا هو الحال بجميع مدن شمال سيناء، وخاصة مدينتي رفح والشيخ زويد، وكأن الحياة انقطعت عنهما منذ زمن بعيد، وليس عقب فرض حظر التجوال فقط ك"العريش" مثلًا، فأهالي رفح والشيخ زويد أجمعوا على أن الحظر قائم بالمدينة، منذ أكثر من عام، بداية من الخامسة مساءً وحتى الخامسة صباحًا، حيث يمنع نهائيًّا التحرك على الطرق أو حتى فتح المحال التجارية، خلافًا لإغلاق شارع الشيخ زويد الرئيس منذ أغسطس 2013، والذي يضم حوالي 300 محل تجاري، فضلًا عن الشقق والعيادات الطبية، التي باتت مهجورة. وتقلص عدد سكانها قرى جنوب الشيخ زويد "اللفيتات والزوارعة والتومة" بشدة؛ لنزوحهم إلى مناطق محيطة بالعريش، بسبب تداعيات الحرب على الإرهاب وخشية الإصابة بالقذائف المتساقطة، كما تعاني مدراس تلك القرى من شبه توقف؛ لغياب الطلاب وعدم تمكن المعلمين أحيانًا من الوصول إلى المدارس. "مش لاقيين لقمة العيش".. كلمات بسيطة تحدث بها، أحمد علي صاحب محل بيع خضروات وفاكهة، مع "البديل" عقب سؤاله عن أحواله المعيشية هذه الأيام أثناء تواجد في موقع محله، مؤكدًا أن الحرب التي تدور بين التكفيريين وقوات الأمن أثرت بشكل كبير على التجارة التي كانت منخفضة منذ عام تقريبًا، ولكن عقب حظر التجوال أصابها الركود، موضحًا أن الحظر شر لابد منه للتغلب على حالة الذعر التي اجتاحت مدن شمال سيناء؛ بسبب العمليات الإرهابية التي تضرب كل مكان بلا رحمة. وتابع: "على الرغم من أن جميع المتضررين بسبب الحظر لديهم أسر وأبناء ينفقون عليهم، ونخاف أن تتعرض حياتهم للتدمير، إلَّا أننا مصرون على مساندة قواتنا المسلحة في محاربة الإرهاب". رفح.. الأهالي في انتظار إعادة التوزيع غادرت مئات الأسر في رفح منازلها على الشريط الحدودي حاملة ما يمكن حمله، عقب إبلاغ القوات المسلحة لهم بضرورة الإخلاء لبناء "منطقة عازلة"، مع التأكيد على "إعادة توزيع السكان". ويتساءل كثير من المواطنين في رفح عن المساكن البديلة: "أين إعادة التوزيع؟ حيث سمع هؤلاء أخبارًا عن إنشاء مدينة رفح الجديدة بكثير من الإحباط، بينما يأمل آخرون في سرعة تنفيذ المشروع وإعادة تسكينهم في بيوت جديدة عوضًا عن المنازل التي تركوها، ومعظم أصحاب تلك النظرة المتفائلة هم ممن لا تربطهم مصالح مباشرة بتجارة الأنفاق التي راجت في السابق وأصبحت "فعلًا ماضيًّا". من جانبها شكلت الحكومة المصرية، أمس الخميس، لجنة وزارية لوضع خطة عمل لإنشاء وتنمية مدينة رفح الجديدة بمحافظة شمال سيناء شمال شرقي البلاد، بمشاركة 9 وزارات برئاسة ممثل عن وزارة الدفاع والإنتاج الحربي. وكان الرئيس قد أمر في 5 نوفمبر الماضي، بإعداد دراسة متكاملة لآليات تنفيذ مشروع إنشاء مدينة "رفح الجديدة" يحقق التنمية لتلك المدينة الحدودية بمحافظة شمال سيناء. وتتولى اللجنة بحسب قرار "إبراهيم محلب" رئيس الوزراء، التخطيط لمنطقة رفح الجديدة والامتداد العمراني لها، ودراسة احتياجات السكان ممن تم نقلهم من منطقة الشريط الحدودي واقتراح الأنشطة الاقتصادية للمنطقة الجديدة، وتوفير الخدمات الأساسية والرعاية الاجتماعية للسكان، ودراسة تطوير المشروعات السيناوية الصغيرة، وإتاحة التدريب والتمويل لها، وأشار القرار إلى أنه "على اللجنة الانتهاء من وضع خطة العمل اللازمة لتحقيق الأهداف السابقة خلال أسبوعين من تاريخ تشكيلها". خط ساخن واتصالات مقطوعة أعلنت محافظة شمال سيناء، عن إطلاقها خطًّا ساخنًا برقم 114 وتليفون 3327052؛ لتلقي بلاغات المواطنين خلال فترات حظر التجوال، في الوقت الذي تنقطع فيه الاتصالات يوميًّا عن رفح والشيخ زويد والعريش، ما استنكره سكان المنطقة، مؤكدين أنهم في جزيرة معزولة عن باقي الجمهورية. وأكد محمد جمال، من سكان رفح، أن خدمات الاتصالات للشبكات الثلاث غير متوفرة، وإذا توافرت يكون إرسالها ضعيفًا جدًّا، ولا يعمل بالقرب من الشريط الحدودي إلَّا الشبكات الدولية فقط. صعوبة في الحياة اليومية يواجه سكان مدينتي رفح والشيخ زويد صعوبة شديدة في الحياة ومرارة في العيش، وهم يترقبون انتهاء الحرب على الإرهاب، التي بدأت قبل أكثر من عام، حيث عانى الأهالي من القيود الأمنية التي تستهدف محاصرة الإرهاب، لكنها في الوقت نفسه حدت من قدرتهم على التنقل بشكل آمن، خاصة بعد إغلاق جزء كبير من الشوارع والطرق، فيما تضررت بيوت ومتاجر آخرين جراء العمليات الأمنية. وتضاءلت فرص مواطني الشيخ زويد في الحصول على حصصهم من مياه الشرب؛ نظرًا للأعطال المتكررة بمحطة التحلية الوحيدة العاملة بالمدينة، وتصاعدت شكاوى الأهالي للمطالبة بسرعة حل الأزمة. وقال إبراهيم عواد، مسئول الشركة القابضة لتوزيع المياه والصرف الصحي بالمركز: إن أعطالًا بمحولات الكهرباء عرقلت عمل المحطة، خلافًا لعدم كفاية المادة الكيماوية التي تستخدم في تحلية المياه، وتقلصت قدرة الآبار الجوفية الخمسة الموجودة بالمحطة إلى بئر فقط، ما يقلل كمية المياه اللازمة للتحلية. "صعوبة في الحياة" بهذه الكلمات بدأ أبو أحمد، سائق من رفح، حديثه عن حياته في الظروف العصيبة التي تمر بها محافظته، قائلًا: أنا ورايا أقساط للعربية، ومش قادر ادفعها، وأتمنى أن تقلل الدولة مدة حظر التجوال أكثر من ذلك، ولو من السابعة مساءً إلى السابعة صباحًا". وأشار علي الجميل إلى أنهم يعيشون منذ بدء حظر التجوال في حالة ركود تامة في الحركة التجارية والاقتصادية حتى الزراعية، موضحًا أن المزارعين يعيشون نفس المشكلة، مشددًا على أن ارتفاع أسعار المواد الزراعية والأسمدة والأدوية أصابت الحركة الزراعية بالركود، فالمزارع أصبح يواجه مشكلة ضخمة فلا يستطيع تصدير أو بيع محصوله في أي محافظة أخرى، ويكتفي فقط ببيعها داخل نطاق المنطقة التي يعيش فيها. ويقول أحمد عطالله، من سكان الشيخ زويد معلقًا على قرار الحظر: الأكل والشرب والمدارس مقدور عليهم، لكن المرض أو الحوادث المفاجئة مش بنلاقي لها أي وسيلة للاتصال بالإسعاف أو المستشفيات أو قسم الشرطة". وكان قد صدر قرار رئاسي بفرض حظر التجوال على مدن "العريش ورفح والشيخ زويد" منذ شهر تقريبًا من الساعة الخامسة مساءً وحتى السابعة صباحًا؛ نظرًا للظروف الأمنية الخطيرة التي تمر بها المحافظة.