يفترش أرصفة الطرقات.. لا يبالي بحرارة الشمس ونظرة السائرين.. بملابس ومعدات من بقايا الزمن.. يخطف الأنظار للوهلة الأولى.. وكأنه عاد من الزمن القديم؛ ليحدث في مظهره بتقاليع مصرية لا تغيب عن الذاكرة ولا يمحوها تقلب الأيام. "من ساعة ما اتولدت بدل ما يقولوا لي غور ع المدرسة قالوا غور ع الصنعة.. ومبسوط وكل حاجة غالية".. هكذا يروي عم إسحق البالغ من العمر 70 عامًا حكايته مع الحرفة التي عمل بها منذ نعومة أظافره؛ ليسد رمق أسرته وليس فقط احتياجاته الشخصية. يجلس "إسحق" على أحد أرصفة مدينة المنيا بمنطقة "الخشابة" خلف الطريق السريع "مصر أسوان" وبجواره عدد من "وابور الجاز" الذي اندثر من منازل الأهالي ومعداته البسيطة، وهي ماسورة للحام المعادن والوبر والشيش وأنبوبة أكسجين صغيرة وشعلة غاز يستخدمها في تسخين المعدن للحام. "وابور الجاز" كما يعرفه عم إسحق هو "وابور" صغير الحجم لونه أصفر يعمل بالجاز الأحمر عن طريق التكبيس، أي إدخال وإخراج ماسورة الكبس بداخله عدة مرات لتوصيل الغاز إلى "الفونيا" أعلاه، ويندر أن يكون للوابر "فتل"، أي أشرطة قماشية كباقي مواقد الوابر الأحدث منه. وعن جدوى حرفته ماديًّا يقول "إسحق" إن الحرفة لم يعد لها زبائن سوى كبار السن ممن يحتفظون ب "وابور الجاز" والأواني النحاسية والألومنيوم التي ألحمها، وأتقاضى مبالغ زهيدة للغاية لا تتعدى 25 جنيهًا يوميًّا، وأحيانًا يأتي بعض الزبائن بمعدات مثل بستم السيارات ألحمها أيضًا، وأكثر ما أتقاضاه عنها 8 جنيهات. ويضيف "أنا لا أعرف غيري يمتهن هذه الحرفة حاليًّا؛ لأن الصنايعية ماتوا ودفنوا منذ زمن مع زبائنهم، خاصة وأن الحرفة ستندثر عما قريب؛ لاعتماد معظم المنازل على أجهزة الطهي والإشعال الحديثة كالبوتاجاز والسخانات الكهربية. الحاج مرزوق عووض أحد الزبائن الذي التقته "البديل" أثناء لحامه "وابور سبرتو" يقول: "عم إسحق راجل بركة، وهو الوحيد في المنيا كلها اللي بيصلح ويلحم وابور وكوبايات نحاس وألومنيوم، وبندِّي له 3 أو 4 جنيه حسب الحاجة اللي بيلحمها".