مرسي حسين خبير الري في حواره مع البديل: ثبات المساحة المزروعة وندرة المياه تؤجل الاكتفاء الذاتي من القمح نحتاج لزراعة مليوني فدان تزيد 200 ألف سنويا.. و750 مليون متر مياه التغيرات المناخية بالدول المصدرة.. والتحويل لوقود حيوي عبء سياسي أصبح الاكتفاء الذاتي من القمح من القضايا الملحة التي تفرض نفسها على الساحة، رغم صعوبة حل تلك المشكلة في الوقت الراهن كما يقول الدكتور محمد مرسي حسين، في حواره ل"البديل"، وبات الشعب المصري متيقنا من أن الحديث عن استقلال الإرادة الوطنية هو حديث بلا معنى إذا ظل أمنه الغذائي مرهونا لإرادة قوى أخرى تتحكم فيه كونها تمده باحتياجاته الغذائية الضرورية، متمثلا العبارة القائلة: "من لا يملك قوته لايملك قراره". إلا أن السياسات الزراعية المتبعه في مصر تفتقد النظرة العلمية ولا تستند إلى أبحاث وتجارب العلماء التي تؤكد أن الاكتفاء الذاتي من القمح في الوقت الراهن أمر مستحيل، لثبات مساحة الأرض الزراعية وعدم استنباط أصناف جدبدة يمكن أن تزيد الإنتاجية رأسيا، فضلا عن الزيادة المطردة في عدد السكان بالتزامن مع ثبات حصة مصر التاريخية من المياه. ولذا يصبح لزاما علينا أن نقف على رأي العلم في كيفية زيادة المحصول القومي الذي يمثل العنصر الأساسي في غذاء الشعب المصري وهو الخبز، فكان لنا هذا الحوار مع الدكتور محمد مرسي حسين، أستاذ العلاقات المائية والري بالمركز القومي للبحوث.. -هل يمكن أن تعود مصر لسابق عهدها كسلة غذاء العالم؟ كانت مصر سلة غذاء لأروبا حينما كان تعداد سكان مصر 9 مليون نسمة أوائل القرن العشرين، وكانت مساحة الأراضي الزراعية آنذاك 6 مليون فدان تقريبا، فكان إجمالي إنتاج مصر من المحاصيل الزراعية يفوق طاقتها الاستهلاكية وكان هناك فائض للتصدير، ومع اطراد الزيادة السكانية بلغ تعداد الشعب المصري 87 مليون نسمة طبقا للإحصاء الأخير للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، ومن المرجح أن يبلغ 130 مليون نسمة بحلول عام 2050، ومع وثبات كمية المياه الواردة من نهر النيل فيصبح من المستحيل أن نعود سلة الغذاء العالم مرة أخرى. -إذن هل من الممكن تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح؟ أعتقد أن هذا أيضا مستحيل في الوقت الراهن وفي ظل الإمكانيات المتاحة من الموارد الطبيعية سواء المياه أو الأراضي، فطبقا للبيانات المعلنه نقوم بزراعة 2.5 مليون فدان قمحا سنويا، تتراوح إنتاجيتها بين 7 و8 مليون طن، واحتياجاتنا الفعلية تتراوح بين 14 و15 مليون طن سنويا، بحساب استهلاك 180 كيلو للفرد، على الرغم من أنه رقم مبالغ فيه لأنه يساوي بين استهلاك الطفل والشاب والكهل، ولذلك يجب إعادة النظر فيه. ونظرا للظروف الصعبة التي تمر بها مصر حيث الأطماع في مواردها المائية (55.5 مليار متر مكعب سنويا على أساس اتفاقية 1959، حيث كان تعداد سكان مصر 30 مليون)، ولأن المتاح والممكن حاليا هو زيادة الإنتاج بالتوسع الأفقي، الأمر الذي يتطلب كميات إضافية من المياه، ونظرا لمحدوديتها فإنه لاسبيل سوى الاعتماد على المياه الجوفية، ويجب أن يتم السحب منها بمعدلات مقننة للحفاظ على تجدد المياه العذبة بالإضافة إلى حفر آبار في مناطق جديدة. وقد أسعدني إعلان وزير الزراعة عن البدء في استصلاح واستزراع 1.1 مليون فدان تطبق بها برامج التنمية المستدامة والمتكاملة حتى يتحقق مجتمع زراعي صناعي، مما يبشر بحسن استغلال مواردنا الزراعية والمائية وإنشاء مجتمعات جديدة على أسس متطورة. ما مساحة الأرض التي يجب إضافتها للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من القمح؟ المساحة التي تتم زراعتها بالقمح حاليا تنتج من 55 إلى 60 % من احتياجاتنا، ولذلك تستورد الدولة 90 كيلوجراما لكل فرد سنويا، ولكي نحقق الاكتفاء الذاتي يجب أن تزيد مساحة الأراضي المنزرعة بالقمح بما يقارب 2 مليون فدان أخرى، على أن تزيد سنويا 200 ألف فدان لتتناسب مع معدل زيادة التعداد السكاني البالغ 2.7 مليون نسمة، مع ملاحظة أن هذه الزيادة ستحتاج من 500 إلى 750 مليون متر مكعب سنويا من المياه، وهذا غير متوفر في الوقت الراهن. -ومع استحالة التوسع الأفقي للمساحات المنزرعة من القمح حاليا ما هي البدائل؟ لا مفر من زيادة متوسط الإنتاجية البالغة 18 أردبا للفدان حاليا، ويتم ذلك باتباع توصيات الحملة القومية لتحسين إنتاجية القمح والتي تتبناها وزارة الزراعة وأكاديمية البحث العلمي بالاشتراك مع مراكز البحوث وذلك عن طريق توزيع التقاوي المعتمدة والمنتقاة، وتنفيذ حزم التوصيات الناتجة عن الدراسات المتأنية للوصول إلى أعلى إنتاجية، وتكثيف الجهود والاستفادة من نواتج البرامج البحثية والمشروعات للاستغلال الأمثل للموارد المائية غير التقليدية من مياه الصرف الزراعي التي تبلغ كمينها 14 مليار متر مكعب، والصرف الزراعي المعالج والبالغ مليار متر مكعب، وأيضا الصرف الصحي البالغ 8 مليار متر مكعب يتم معالجة نصفه فقط لإعادة استخدامه. وإعادة استغلال هذه الأنواع من المياه له فائدتان: الأولى، خفض الملوثات المستخدمة في الزراعة، والثانية، وجود مصادر بديلة لمياه الري لزراعة محاصيل غير غذائية ونباتات الوقود الحيوي التي يمكن أن تنمو مع شح المياه وارتفاع نسبة الملوحة، هذا بجانب تقليل حجم الفاقد من الحبوب والذي يصل في بعض الأحيان إلى 25 % من إجمالي الناتج المحلي وأيضا المستورد، ونشر الصوامع الكبيرة في المحافظات والمراكز، والصوامع البلاستيكية في القرى مما يقلل الفاقد من المحصول. -هل أصناف القمح التي تزرع حاليا كفيلة بتحسين إنتاجية الفدان؟ لابد من إدخال سلالات جديدة من القمح حتى نرفع من سقف التحسين، ليزيد الإنتاج من 1 إلى 2 إردب في الفدان في قمح الخبز، وقمح المكرونة خاصة، الذي نستورده من الخارج لمحدودية المساحة المنزرعة منه في الوجه القبلي. -وماذا عن المحصول المنافس للقمح في المساحة؟ يعد البرسيم هو المنافس الوحيد للقمح في الأراضي القديمة، ولذلك لابد من رفع إنتاجية الفدان منه لتقليل مساحته لصالح محصول القمح، مع زراعة أصناف بديلة من مكونات الأعلاف في الأراضي الجديدة المستصلحة مثل بنجر العلف والسورجم والبانيكم، وغيرها من محاصيل الأعلاف حتى لا يحدث عجز في الكميات المنتجه محليا. -هل يتأثر صانع القرار بحالة عدم الاكتفاء الذاتي من القمح؟ بالطبع، حين تتحمل ميزانية الدولة عبء استيراد الفارق بين الإنتاج والاستهلاك، وعندما تؤثر التغيرات المناخية على إنتاجية القمح في البلاد التي نستورد منها، وتحجم هذه البلاد عن التصدير، أو تقوم برفع الأسعار ونضطر لتحمل الفارق الكبير، هذا بجانب اتجاه بعض الدول المنتجة للقمح لاستخدام الفائض لديها في إنتاج الوقود الحيوي مما يقلل من فرص الحصول على ما نحتاجه لسد الفجوة الغذائية، مما يشكل عبئا سياسيا كبيرا على صانع القرار في مصر.