«تقع مسئولية تطوير المنظومة الثقافية وتثويرها على طرفين؛ أولهما الدولة التي ينبغى أن تقوم بالدور الحاسم، وثانيهما المجتمع المدني الذي لابد للدولة من تفعيله وتشجيعه على الإسهام في تطوير وتحديث منظومتها الثقافية». قبل أيام من تسلمه حقيبة الثقافة، أورد الدكتور جابر عصفور هذه الكلمات في مقالته «تطوير المنظومة الثقافية للدولة» بزاويته بجريدة الأهرام، طرح فيها رؤيته لتطوير المنظومة الثقافية، التي وصفها ب"المترهلة". «سيناء والنوبة» أطراف مصر المهمشة، كٍّن لها «عصفور» بعض التقدير في أولى أيامه، وطالب رئيس الهيئة العامة المصرية للكتاب، بضرورة نشر إبداعات أدباء سيناء والنوبة والاهتمام بهم ثقافيًا، وبمرور الوقت جاءت النتيجة «صفر» فلا وجود لسيناء ولا مثقفيها بهئية الكتاب ولا المجلس الأعلى للثقافة، وفقًا للشاعر السيناوي حسونة فتحي الذي قال «للبديل»: ما نراه على أرض الواقع أن «عصفور» لا يعرف شيئًا عن سيناء ولا أدباءها، لا وجود لأنشطة ثقافية، ولا نجد أي قرار صدر منه يتعلق بسيناء ولو حتى طبع كتاب لأديب وهو أبسط ما يمكن تقديمه. تابع «حسونة»: ما يحدث في سيناء الآن يشير إلى أن هناك تحول ثقافي في المجتمع لابد من دارسته والوقف عليه، وهو ما يسلتزم عقد مؤتمرات تبحث ذلك من خلال علماء نفس واجتماع وتاريخ تشرف عليهم وزارة الثقافة، لكن لم يهتم «عصفور» بذلك ولا يشغل له بالًا لأن سيناء خارج سياق انشغالاته. يخلو المشهد الآن من وجود حقيقي ل«الثقافة» في سيناء، لاسيما التصريح الوحيد الذي أدلى به «عصفور» عقب حادث كرم القواديس الأخير، بضرورة تنشيط الحياة الثقافية لأهالي سيناء عبر قصور الثقافة الكانئة بها، التي لا وجود لها على أرض الواقع فما هي إلا حطام، فقصر ثقافة العريش تحت الترميم منذ 6 سنوات ومتوقف على بعض المستخلاصات المالية، وإن كانت لسيناء أولوية عند وزير الثقافة لسمح بصرف هذه المستحقات بإمضاء صغيرة وينتهي ترميم القصر ويعاود نشاطه من جديد -حسب قول حسونة. خمسة شهور مروا على تولي صاحب «التنوير يواجه الظلام»، مسؤولية توعية وتثقيف الشعب من الشمال حتى أقصى الجنوب، لكنها فترة غير كافية من وجهه نظر الكاتب النوبي حجاج أدول، ليبدأ وزير الثقافة التفكير في النوبة وإحياء تراثها الثقافي مرة أخرى! أيضًا هذه الفترة لم تكن حافلة بالسلبيات، مثلًا نجد أولى الإيجابيات بدأت بالتخلص من بعض المسؤولين الذين قتلوا النشاط الثقافي في مصر، كإزاحة الدكتور سعيد توفيق عن المجلس الأعلى للثقافة، الذي عُرفت فترة توليه ب«الموت الكبير» وهو ما اعتبره الشاعر الكبير عبد المنعم رمضان "إنجاز ناقص"، لأن الدكتور محمد عفيفي الذي حل محل «سعيد» لم يفعل شيئًا حتى الآن ليثبت أنه البديل الأفضل، خاصة أن «الأعلى للثقافة» هو رئة مصر الثقافية، متسائلًا: هل قدر مصر أن يحكمها أشخاص بإمكانيات محدودة؟ أضاف «رمضان»: حتى الآن لم يستطع «عصفور» تطهير هيئة قصور الثقافة التي دومًا عرفت بأنها (غابة من المصالح) وأن القائمين عليها منغمسون في مصالحهم الشخصية، في حين أنها المسئول الأول عن تثقيف أهالي الأقاليم، نعم ندرك أن الوزارة تعاني من أزمة مالية كبيرة لكن هذا ليس سببًا كافي لحالة التراخي التي تعانيها. يتابع «رمضان»: بدلًا من أن يقود حربًا حقيقة للنهوض بالثقافة، انشغل بهاجس محاربة التيار الديني، لاعتقاده أنه أفضل من يقوم بذلك، وهو في ذلك محقًا إذ لعب هذا الدور بامتياز في عهد فاروق حسني-وزير الثقافة الأسبق، لصالح النظام البائد، وها اليوم يعود ليلعب لعبته من جديد ويشغل المثقفين بحرب وهمية على الإرهاب حتى يتناسوا معركتهم الحقيقة مع النظام، ليحولهم «عصفور» بسياسته هذه إلى مرتزقة وجنود للنظام، واعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي وراء اختياره وزيرًا للثقافة. «نعمل على تسليم وزارة الثقافة للشباب وتمكينهم، الشباب هما المستقبل»، دائمًا ما يحرص «عصفور» على ترديد هذه الكلمات، حتى جاء تشكيل المجلس الأعلى للثقافة الأخير ليتنافى تمامًا مع تصريحاته، بل إنه أعاد الوجوه القديمة مرة أخرى وعلى رأسهم المستشارة تهاني الجبالي والشاعر أحمد عبد المعطي حجازي وغيرهم من فئة ما فوق الخمسين عامًا. ما حدث في هذا التشكيل يثبت بالدليل القاطع أن الوزارة تفتقر لاستراتيجية واضحة لدعم الشباب، وهذا ما أكده لنا الشاعر أيمن مسعود، الذي عبر عن امتنانه بعض الشئ لدعم «عصفور» لأعمالًا يشرف عليها شباب مثل "الفن ميدان" -الذي وقف الوزير عاجزًا عن دعمه أمام تعنت الداخلية انتهاءً بإلغائه- لكنه في ذات الوقت لا يرى من «عصفور» أي اهتمام جاد لدعم الشباب، مشيرًا إلى أن التجارب الذي يحتفي بها وزير الثقافة كتعين كاتب شاب رئيسًا لتحرير إحدى الصحف، ليست الدعم المنتظر، قائلًا: الدعم الحقيقي هو اختيار 4 شباب وأكثر ضمن مجلس إدارة الجريدة وليس شابًا واحدًا وسط "عواجيز"، مشيرًا إلى أن الشباب لا يريدون الوصول لمناصب قيادية بقدر ما يريدون أن يصل صوتهم. يتابع «مسعود» متسائلًا: إن كان هناك اهتمام بالشباب فأين مستشاري «عصفور» منهم؟، أين الاحتفاء بالشباب المبدع الذي ينال جوائز دولية ولا أحد يعرف عنه شئ في مصر؟ اختيار «عصفور» لشخصيات فوق ال45 سنة وتعينهم بمناصب قيادية باعتبارهم شباب دفع «مسعود» لتوجيه عددة أسئلة لعصفور، قائلًا: كما علمتنا نحتاج إلى تحديد المفهوم، ماذا تقصد بالشباب؟، وما هي المناصب التي يمكنهم التأهل لها؟، وما هي آليات الشباب التي سيتم اختيارهم عليها حتى لا يقعوا في إشكالية الوساطه مع الكبار؟ كم صديق لديك من الشباب؟، كم شاب تقابله في اليوم الواحد؟، هل ناقشت رؤيتك في الاهتمام بالشباب وتمكينهم مع شباب أم مع العواجيز الكبار؟. نعلم أن 5 شهور ليست كافية لإحياء الثقافة من ركودها بالشكل الذي نطمح إليه جميعًا، لكن أين المؤشرات التي تبعث الأمل إذا كان رصيد سيناء من اهتمام وزارة الثقافة «صفر»، والنوبة لا جديد بها، والشباب لم يأخذ فرصته حتى اليوم، فمتى يأخذ «عصفور» خطواته الأولى في معركة الجهل والتخلف والانهيار الثقافي الذي نعاينه؟