انطلقت مطلع الأسبوع الجاري فعاليات القمة التاسعة لمجموعة العشرين في مدينة بريزبن الأسترالية، لتستمر يومين وتجمع زعماء أقوى 20 دولة اقتصاديا وأكثرها تأثيرًا، فى ظل استمرار الأزمة الأوكرانية التي تؤثر على العلاقات الغربية الروسية على خلفية تبادل الاتهامات بين الجانبين، كل حسب مصالحة السياسية والاقتصادية. القمة التاسعة لمجموعة العشرين القمة التاسعة ل"مجموعة العشرين"، التي عقدت في مدينة بريزبن الأسترالية، جلستها الأولى كانت تحت عنوان "الاقتصاد العالمي.. تعزيز التنمية وخلق فرص العمل، شارك في الجلسة المغلقة، التي عقدت في مركز مؤتمرات بريسبان، زعماء الدول الأعضاء بمجموعة العشرين، بينهم الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، ورئيس الوزراء التركي "أحمد داود أوغلو"، ورئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون"، والرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، والمستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، وبحثت القمة على مدار يومي 15- 16 نوفمبر الجاري، أهم القضايا الاقتصادية، والمالية في العالم. في قمة "العشرين" ناقش القادة ملفات اقتصادية بحتة تعاني من هزات مرتبطة بالأزمة السياسية في أوكرانيا، أبرزها أسعار النفط وسعر صرف العملات، واحتلت مباحثاتها على قضايا الاقتصاد العالمي ، والتركيز على سبل تعزيزه ودعم نموه للتعامل مع الأزمات المالية والاقتصادية في المستقبل. قادة العشرين تحدثوا أن هدفهم زيادة معدلات نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2 في المائة على الأقل خلال السنوات الخمس المقبلة، متوقعين أن يسهم ذلك بأكثر من تريليوني دولار في الناتج الإجمالي العالمي. كما بحث الزعماء خلال هذه القمة التوصل إلى اتفاق للضغط على المصارف ومؤسسات تحويل الأموال لخفض رسوم التحويلات المالية التي تمثل عائقا أمام المهاجرين في الدول الغنية، الذين يضطرون لدفع رسوم تبلغ 20 في المائة لإرسال الأموال إلى أسرهم، غير أن هذا الاتفاق قد يواجه بعض المعوقات. الأزمة الأوكرانية خيم على أعمال القمة التي انطلقت السبت الماضي التوتر المتفاقم بين روسيا والغرب، وبلغت الخلافات بين الطرفين أوجها في الساعات الأخيرة من القمة حيث غادر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مدينة بريزبين قبل صدور البيان الختامي وهو ما يعد سابقة في تاريخها. روسيا التي ظهرت أنها قادرة على تحمل العقوبات الغربية، حرصت بجميع الأحوال على حضور رئيسها القمة لإظهار أولا "هدوء النفس" وعدم الخوف من استمرار العقوبات أمام قادة الغرب، وثانيا لتقييم موقف هؤلاء بهدف تحديد بأي الأوراق سنلعب في المرحلة المقبلة. وهدوء الرئيس بوتين، ظهر عندما تباهى في تصريحات صحفية عشية انطلاق أعمال قمة العشرين بحجم الأموال الموجودة في صندوق التحوط (الرفاه الإجتماعي) وبحجم الاحتياطي الأجنبي في البلاد الذي يتجاوز 400 مليار دولار، بالإضافة إلى احتياطات روسيا الهائلة من الذهب. في الوقت ذاته، ابتعد بوتين في تصريحاته عن لهجة التصعيد ضد قادة العشرين، واكتفى بالقول إن العقوبات الغربية ضد روسيا تضر بمصالح الطرفين، مستثمرا تذمر قطاعات زراعية وصناعية وتجارية أوروبية من تضررها جراء العقوبات المفروضة على الدب الروسي. غير أن روسيا وقيصرها بوتين مرتاحون لأمر يثير قلقا غربيا متمثلا بتوجهات لمسؤولين أوكرانيين للحوار مع موسكو لحل الأزمة في شرق أوكرانيا، وبالطرق السلمية فقط، وذلك عبر التمسك باتفاق مينسك الذي ترى فيه روسيا مخرجا مناسبا للأزمة الحالية، توجهات مدفوعة بعدم رضوخ موسكو أمام العقوبات الغربية، حتى الآن على الأقل. تصريحات يرجعها مراقبون إما إلى خشية كييف من تخلي الغرب عنها أو عدم قدرته على حماية مصالحا، لا سيما بعد ضم روسيا لجزيرة القرم ودعمها لانفصاليي الشرق، أو بسبب فشل كييف بالسيطرة على الدولة العميقة الموالية لموسكو داخل مؤسسات الحكم في أوكرانيا، علما أن موسكو أبدت رغبتها بالتعاون مع الرئيس الأوكراني الجديد بيوتر بوروشينكو، والذي تحتاج بلاده إلى عشرات المليارات من الدولارات، لإعادة بناء اقتصادها، لا تبدو أوروبا قادرة على تسديدها في ظل أزمة دول الاتحاد الاقتصادية. غربيا، كان هناك إصرار كبير من قبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على ضرورة حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقمة العشرين، إلا أن التوبيخ جاء في ختام القمة عندما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن روسيا ستبقى معزولة على الساحة الدولية إذا واصل الرئيس بوتين خرق القانون الدولي والمعاهدات الرامية لإنهاء النزاع في أوكرانيا، مؤكدًا أن العقوبات الدولية المفروضة على روسيا تحقق الأهداف المرجوة بشكل جيد، وأن هناك مسعى لفرض مزيد من الضغوط على موسكو كلما كان ذلك ضروريا، فيما هددت بريطانيا على لسان رئيسها بزيادة العقوبات إذا لم تتراجع روسيا عن سياسيتها ف الازمة الأوكرانية. بوتين عايز ينام بوتين رأى أنه لا فائدة من حضور فطور العمل الجماعي لزعماء الدول على هامش قمة العشرين، كما أنه سجل سابقة لم تحدث من قبل بعدما غادر قبل صدور البيان الختامي للقمة؛ موضحا أنه لزاماً عليه أن يأتي إلى مكتبه في موسكو لمعاودة العمل في يوم الاثنين بعد أن ينام قليلا، منبهًا أن الرحلة الجوية من أستراليا إلى مدينة فلاديفوستوك في شرق روسيا تستغرق 9 ساعات، ثم يتطلب الأمر 9 ساعات أخرى للوصول من فلاديفوستوك إلى موسكو. وتابع : "حيث يجب أن أصل إلى بيتي وأذهب إلى العمل في يوم الاثنين.. "وحبذا لو تمكنت من النوم أربع إلى خمس ساعات". فيما رأي متابعون للقمة أن رحيل بوتين عن القمة مبكرًا كان على خلفية عقد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، اجتماعا مع بوتين ، أبلغه خلالها أن علاقات الغرب مع روسيا في مفترق طرق، في إشارة إلى توتر الأجواء بين بوتين والقادة الأوروبيين بشأن الأزمة الأوكرانية. ونقلت صحيفة الجارديان البريطانية عن مصادر في رئاسة الوزراء البريطانية أن اللقاء بين بوتين وكاميرون شهد سجالا قويا، حيث أعاد الرئيس الروسي التأكيد على رغبته في رؤية أوكرانيا كيانا سياسيا واحدا. بدوره أعترف المتحدث باسم "بوتين" ديمتري بيسكوف فى تصريحات صحفية أن الاجتماع البريطاني الروسي شهد التحدث عن انهيار في العلاقة بين روسيا والغرب، لكنه قال إن كاميرون ناقش مع بوتين التدابير التي يمكن أن تؤدي إلى وضع حد للمواجهات. لقاءات دبلوماسية وصراعات عسكرية اعتبر عدد من المحللين أن الحراك والتصريحات واللقاءات الدوبلوماسية الأخيرة بين موسكو والقادة الغربيين ما هو إلا محاولة لتغطية التصعيد الفعلي على الأرض المتمثل في تعزيز روسيا والناتو لتواجدهما العسكري على الحدود مع أوكرانيا، في حين يضع آخرون هذا التصعيد في إطار الضغوط السياسية لا أكثر، فالاشتباك المسلح بين قوى نووية كدول الناتو من جهة وموسكو من جهة أخرى، يعني أنه يتوجب على العالم أن يحبس أنفاسه.