مخيم «قلنديا» للاجئين: ليس المطار الدولي بالقدس ولا الحاجز الاحتلالي، فقد أقيم على أرض تلك القرية المحتلة بعد النكبة، ليكون الوجه الحاضر للبلدة الغائبة، التي شطرها الاحتلال نصفين بعد عام 2002، تشتعل فيه تظاهرة في الفنون البصرية على امتداد فلسطين التاريخية، إذ تنطلق النسخة الثانية من «بينالي قلنديا الدولي»، بمشاركة أكثر من 100 فنان فلسطيني وأجنبي من 23 دولة، و13 مؤسسة ثقافية، تحت شعار «الأرشيف حياة ومشاركة». انطلق البينالي في نسخته الأولى بمجموعة "استكشاف" رسمتها الفنانة مجدل تنيل تحت القصف في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وصور لفتيات فلسطينيات في مدارس اللاجئين بعد نكبة فلسطين عام 1948، ليضيء تجربة الأرشيف الفلسطيني بين الماضي والحاضر، إلا أن نسخته الجديدة تتوزع فعالياتها على عدة مدن فلسطينية في أنحاء مختلفة من فلسطين التاريخية بما فيها "القدس، غزة، رام الله، حيفا، الخليل، طولكرم، بيت لحم، نابلس"، وتضم سلسلة من المعارض الفنية، وعروض الأداء، والحوارات والجولات في الفضاءات العامة. مديرة مركز المعمار الشعبي الفلسطيني «رواق»، فداء توما، تقول بمناسبة إطلاق اسم «الأرشيف حياة» على البينالي في دورته الثانية، إن الفعالية "يهدف إلى حماية الممتلكات الثقافية والمعمارية والطبيعية في فلسطين، وتجميع الطاقات والموارد ونسج علاقات متماسكة تمتد على جغرافيا فلسطين التاريخية، لنوصل بالثقافة ما قطعه الاحتلال". بدوره قال منسق الفعالية جاك برسان، في كلمته بالمؤتمر، إن اختيار اسم «قلنديا» للبينالي جاء للتذكير بالحاجز الذي يفصل القدس عن الضفة وما يعانيه الفلسطيني فضلًا عن القيمة التاريخية للبلدة كما أنها تحتضن المخيم الشاهد على النكبة. «قلنديا» سابقًا كانت معبرًا دوليًا إلى العالم، من خلال المطار الذي احتله لكيان الصهيوني وأغلقه فيما بعد، لذا أكد عضو مجموعة «شبابيك» للفن المعاصر في غزة، شريف سرحان، في بيان، أن المعرض مناسبة "لتذكير الناس بحقبة زمنية لم يذكرها ولم يعشها جزء كبير من الجيل الجديد، ونعتبرها فترة مهمة في التاريخ الفلسطيني لصدقها وعفويتها وللقيم التي سادت فيها وربطت بين الناس واتسمت بالتعاون". شهدت الفعاليات افتتاح معرض «غزة 87» لأعمال 10 فنانين، ويشارك المتحف الفلسطيني للمرة الأولى في هذه التظاهرة من خلال معرضه «مقدمة في المتاحف الفلسطينية»، كما أطلقت مؤسسة عبد المحسن القطان معرض مسابقة الفنان الشاب لعام 2014 «اليايا»، وتنظم مؤسسة المعمل معرض «على أبواب الجنة» السابع، بالإضافة إلى معرض حوش الفن الفلسطيني. وشمل البينالي على جولة تنظمها مؤسسة «رواق للمعمار الشعبي» إلى الخليل، ويطا، والظاهرية، تتخللها عروض أداء ومعارض تتضمن التعريف على أرشيف العمارة الفلسطينية في هذه البلدات، إضافة إلى الندوات، وموكب إحياء ذكرى انتفاضة 1987، هنا تقول الفنانة وأستاذة الفن والعمارة الإسلامية بجامعة بيرزيت، فيرا تماري، إن إعادة بعث الأرشيف الفلسطيني تجربة مهمة جدًا بعد حالة الضياع التي شهدها. على الرغم من توسع البينالي وتنظيم فعالياته في مختلف البلدات الفلسطينية، إلا أنه لم يتخط انتقادات الدورة الأولى، بشأن تعاونه مع عدد من المؤسسات الفلسطينية التي تعتبر أشهر المؤسسات التطبيعية في القدسالمحتلة، كمثال مؤسسة المعمل للفن المعاصر، والتي تعتبر إحدى أشهر المؤسسات التطبيعية في القدسالمحتلة، فتاريخ مؤسسها «جاك برسكيان» لا يخفى على أي مهتم، وأعماله المشتركة مع فنانين ومؤسسات صهيونية معروفة بعنصريتها وسعيها لأسرلة الفن الفلسطيني. لذا تظل تساؤلات الكاتبة كريستين ناصر منذ العام 2012، حاضرة بقوة عن الميزانيات الخرافية التي تُضخ لإتمام البينالي، والتي تصل لأيدي القائمين على إتمامه عبر التمويل والدعم السخي والشراكة مع "رواق، المعمل، مؤسسة عبد المحسن قطان، أكاديمية الفنون الدولية، حوش الفن، ودارة الفنون في الناصرة ومركز خليل السكاكيني الثقافي". وتقول «كرستين» في مقال لها: لا أستطيع إلا أن أتأمل جغرافية المكان؛ مكان المخيم ومكان الحاجز العسكري، ومكان البينالي في الغد، محتارةً في التناغم/الهارموني المنشود غدًا، فلا بأس من توفر بعض من الاحتلال وبعض من اللجوء على طرفي البينالي في هذه التمثيلية على حساب مساحة المخيم والحاجز في قلنديا في وعيّ كل منا، ووعيّ أولئك الذين يعرفون ولا يعرفون المكان، وهذا ليس بالشأن المستبعد، يبدو أنني أتمتع بإمكانية القول بأن التبرير الأخير لهذا الحكم المسبق؛ جاء بعد الاطلاع على الشراكات المستمرة للمعمل مع مؤسسات إسرائيلية، وللنظر إلى حميمة المعمل مع آرتيس الأمريكية وبينالي هرتسيليا وبعض البينالات والمعارض الأخرى في حولون وتل أبيب وغيرها الكثير. ما بين إحياء التراث الفلسطيني كمقاومة ناعمة للعدو الصهيوني، وتطبيع مستتر تقديره أمريكا وأوروبا، وتساؤلات تمويل المؤسسات الثقافة في الضفة وغيرها، ذلك الملف الذي حققت فيه «البديل» سابقًا، يمضي البينالي مخلفًا وراءه الخوف من مستقبل الثقافة والمقاومة داخل الأراضي المحتلة، ومدى سيطرة الكيان الصهيوني على الفكر والتراث هناك.