لقاءات ومباحثات ومؤتمرات عقدها المبعوث الأممي إلى سوريا "ستيفان دي ميستورا" بالعديد من الدول في محاولة منه لفك رموز الأزمة التي تشهدها سوريا منذ حوالي أربع سنوات، حيث وصف بعض المحللين والسياسيين مهمة المبعوث الدولي إلى سوريا، بأنها "شبه مستحيلة"، والبعض الآخر قال إنه جاء في "الوقت الخطأ"، نظراً لتمدد "داعش" في كل من سورياوالعراق، وبداية شن غارات جوية على البلدين من قبل التحالف الدولي في محاولة وهمية للقضاء على التنظيم،الأمر الذي أثار الحديث عن مدى نجاح "دي ميستورا" في مهمته أو فشله مثل سابقيه. "دي ميستورا" هو دبلوماسي إيطالي عينه الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" يوم 10 يوليو 2014، مبعوثاً خاصاً إلى سوريا خلفاً للجزائري "الأخضر الإبراهيمي"، يعتبر "ميستورا" من الدبلوماسيين الذين لهم خبرات واسعة في هذا المجال، حيث عمل بالأممالمتحدة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، ومثلها في العراقوأفغانستان والعديد من المناطق الملتهبة. درس في إيطاليا وتخرج من جامعاتها قبل أن يلتحق بالعمل الدبلوماسي في الأربعين من العمر ليشغل منصب نائب وزير الخارجية في الحكومة الإيطالية برئاسة "ماريو مونتي"، وفي عام 1971 بدأ "دي ميستورا" مسيرته مع الأممالمتحدة كضابط في مشروع برنامج الغذاء العالمي في السودان، لينتقل في عام 1973 للعمل في مكتب الإغاثة في حالات الطوارئ في دولة تشاد. التحق في عام 1976 بالعمل في منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة، كنائب رئيس الديوان حتى عام 1985، وأشرف على المهام الإنسانية الخاصة بدوبروفنيك وسراييفو والسودان وإثيوبيا وفيتنام ولاوس الديمقراطية الشعبية، كما شغل منصب مدير جمع الأموال والعلاقات الخارجية التابع لمكتب الأممالمتحدة لشئون أفغانستان، قبل أن يعمل مديراً لشعبة الشئون العامة في يونيسيف ثم ممثلا لها في الصومال. وفقا لوزارة الخارجية الإيطالية فإن "ميستورا" البالغ من العمر 67 عاماً يتحدث سبع لغات هي السويدية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والعربية العامية، ومنذ عام 2001 إلى عام 2004 شغل منصب الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في جنوبلبنان قبل أن يشغل منصب نائب الممثل الخاص للعراق لمدة 15 شهرا، وعينته الحكومة الإيطالية عام 2013 مبعوثا خاصا لرئيس الوزراء لحل أزمة اثنين من مشاة البحرية الإيطالية في الهند لقتلهما اثنين من الصيادين الهنود، ثم عين مؤخرا مبعوثا أمميا في سوريا خلفاَ للأخضر الإبراهيمي الذي تقدم باستقالته من المنصب. تأتي تسمية "مستورا" بعد مشاورات بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لثلاثة أسماء مطروحة، والأسماء المرشحة ضمّت بالإضافة إلى "مستورا" كلاً من رئيسة بعثة نزع السلاح الكيماوي السوري الهولندية "سيغريد كاغ"، والوزير البرازيلي الأسبق للدفاع والشئون الخارجية "سليسيو اميريم". ذهب "الإبراهيمي" الذي عُرف بعدم حياديته تجاه الأزمة السورية، والتي ظهرت واضحة في مؤتمري جنيف1 وجنيف2، من خلال انحيازه لطرف الائتلاف المعارض على حساب الحكومة السورية، ليأتي "ميستورا" ويحاول تقريب وجهات النظر بين المعارضة السورية والنظام السوري بقيادة "بشار الأسد"، حيث تخرج تصريحات المسئولين السوريين لتؤكد تعاون الدولة السورية معه وتقديمها كافة التسهيلات لإنجاح جهوده الدولية الساعية لإيجاد آليات مناسبة لحل الأزمة المفتعلة في سوريا. التعاون السوري مع جهود المبعوث الدولي تجلت واضحة في الاستماع لوجهات نظره المتعلقة بالمبادرات التي يحملها والتأكيد على أنها جديرة بالدراسة، والرغبة في العمل من أجل بلوغ هدفها في عودة الأمن والدولة السورية، حيث كانت أخر المبادرات التي اقترحها المبعوث الأممي "دي ميستورا" تلك التي أعقبت وصوله إلى دمشق والتي تعد الزيارة الثانية منذ تكليفه بمهمته. قدم مبعوث الأممالمتحدة في 31 أكتوبر "خطة تحرك" بشأن الوضع في سوريا إلى مجلس الأمن الدولي، تقضي بتجميد القتال في بعض المناطق وبالأخص مدينة حلب، للسماح بنقل مساعدات والتمهيد لمفاوضات، وبحث هذه الخطة مع المسئولين السوريين، وأكد الرئيس السوري "بشار الأسد" استعداد بلاده لدراسة المبادرة، معتبرا "أن مبادرة دي ميستورا جديرة بالدراسة وبمحاولة العمل عليها من أجل بلوغ أهدافها التي تصب في عودة الأمن إلى مدينة حلب". من جهته قال رئيس ما يسمى الائتلاف الوطني السوري السابق "معاذ الخطيب" بعد زيارته إلى روسيا واجتماعه مع مسئولين روس، "طلبنا منهم أن يسعَوا بالتفاهم مع الأمريكيين ويتوافقوا على صيغة وليسموها "جنيف3″ إن شائوا، لفتح نوافذ حل سياسي تفاوضي"، وأكد "أننا لن نكون مطيةً لأية دولة، وفي نفس الوقت سنتواصل مع الجميع، ونعتقد أن التفاوض السياسي هو الأنجح والأقل خسائر"، مكرراً "لا أمانع من لقاء أي مسئول من النظام، فالتفاوض هو خير الطرق، ولست أشترط أي شرط سياسي". زيارة المبعوث الدولي إلى سوريا تأتي بعد زيارتين قام بهما إلى روسيا وإيران اللتين تدعمان النظام السوري، في محاولة لمشاركة هذه الدول في المبادرة لمساعدته في التأثير على النظام السوري وتسهيل مهمته، لكن من الضروري هو التأثير ايضاً على الدول التى تدعم المعارضة كي تستطيع تقريب وجهات النظر بين الطرفين. مما لا شك فيه أن مهمة المبعوث الدولي ليست سهلة، وهي بحاجة إلى دعم دولي كبير لإنجاحها، وتضافر جهود كبيرة من القوى الداعمة للنظام السوري والأخرى الداعمة للمعارضة السورية، للضغط على الطرفين والتوصل إلى حل سياسي سلمي والعمل على تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي من شأنها اجتثاث الإرهاب وعودة الأمن والأمان إلى المنطقة عموما وسورياوالعراق على وجه الخصوص.