مع مغادرة القوات العسكرية الغربيةلأفغانستان، تتجه الدولة الغنية بالموارد نحو الصين، لكن يتوجب على كابول الحذر من أن الكثير من المال قد ينتهي في أيدي حركة "طالبان" الإرهابية. فمن كان ليصدق أن أفغانستان بلد غني وسط جو القرون الوسطى المليء بالاضطرابات، والبيوت المبنية بالطين، والبغال الموجودة بالطرق الضيقة، لكن اتضح أن بها كميات كبيرة من المواد الخام التي قدرت قيمتها بتريليون يورو. في شمال البلاد، على الحدود مع تركمستان، هناك احتياطات من الغاز الطبيعي، وفي الشمال الشرقي بجوار الصين مباشرة توجد المعادن الأرضية النادرة التي تستخدم في إنتاج الهواتف والألواح الذكية، بينما في وسط أفغانستان توجد كميات كبيرة من النحاس، وتعد الكمية الأكبر من النحاس في المنطقة وربما في العالم أجمع. ومن الواضح أن البلد الذي مزقته الحرب غير قادر على استغلال الموارد الطبيعية التي يمتلكها بمفرده، حيث تفتقر أفغانستان إلى حد بعيد للبنية التحتية، ومعدات التعدين والعمالة الماهرة أو المهندسين من أجل تحقيق هذه الغاية، فإذا كانت أفغانستان دولة طبيعية، كان من الممكن أن يصطف المستثمرون ويزايدون بعضهم البعض في مشاريع التنمية التي قد تستغل هذه المعادن، لكن بعد صراع دام أكثر من عشر سنوات مع حركة "طالبان"، بدأ الغرب في الانسحاب ببطء من البلاد، وبهذا من المنطقي أن يغير الرئيس الأفغاني الجديد "أشرف غاني" اتجاه البلاد، ويقوم بأول زيارة دولة له لبكين وليس واشنطن، ففي الصين لن يستجدي المساعدات التنموية أو الدعم العسكري، بل لديه شيئا يقدمه لبكين، نظرا لإدراك الأخيرة لأهمية كابول، وبهذا تضيف الصين منطقة نفوذ جديدة لها وتوسع إمبراطوريتها الاقتصادية. الغرب حاول جاهدا خلال السنوات الماضية التعاون الاقتصادي مع أفغانستان، لكن الشركات الأمريكية والأوروبية رفضت هذه الاقتراحات بدعوى أن هناك الكثير من المخاطر التي تنطوي على هذا التعاون، فمن ذا الذي يريد الانخراط مع سلطات فاسدة أو حتى مع "طالبان"؟، حيث خشيت تلك الشركات أن تفقد جميع استثماراتها نظرا للصراعات التي شهدتها أفغانستان بين الحكومة وطالبان. ليس سرا أيضا أن رجال الأعمال الصينيين لديهم هواجس قليلة أو معدومة نحو هذه المسائل والوضع الأمني، حتى إذا تأثر مواطنيها، فقد كان هناك العديد من الحالات المختلفة من عمال صينيين مقتولين في خضم الصراع الأفغاني، لكن يبدو أن الشركات الصينية لم تهتم ولم تأخذ احتياطاتها لمنع تكرار الحوادث، ومع ذلك يجب أن تحذر أفغانستان عندما تجمعها أي أعمال مع الصين، خاصة وأن الصين قد وعدت بالكثير من قبل، فمثلا هناك مشروع السكة الحديدية بالاضافة إلى ودائع النحاس بمقاطعة لوجار، لكن ما زال يجب الانتظار لرؤية إذا ما كان سيتم استكمال هذه المشروعات أم لا. الوقت الراهن يُعد هو الأمثل لفتح صفحة جديدة بين الصينوأفغانستان، فالرئيس الجديد وحكومته الوطنية تولوا مناصبهم منذ شهر واحد، وبدأت القوات الخارجية في الانسحاب بسرعة من البلاد، تاركة ورائها فراغا أمنيا كبيرا، لذا وسط هذه الفترة من التغيير الداخلي الكبير بالدولة، فمن المنطقي بالنسبة للصين أن تعمق شراكتها مع أفغانستان، وعلى هذا سافر الرئيس الأفغاني "أشرف غاني" لبكين يوم 28 أكتوبر لتكون أولى زياراته الخارجية بعد توليه الرئاسة، وقد استقبله الرئيس الصيني "شي جين بينج" في المطار، ليكون علامة على الأهمية التي توليها الصين لعلاقاتها مع أفغانستان، وبعد محادثتهما، وعد "بينج" بتقديم عدة ملايين الدولارات كمساعدات لكابول، الأمر الذي يدعم تمويل ازدهار صناعة التعدين بأفغانستان. وسائل إعلام صينية رسمية أكدت أن بكين تعهدت الأسبوعين الماضيين بتقديم مساعدات تقدر بأكثر من 300 مليون دولار إلى أفغانستان خلال السنوات الثلاث المقبلة وهذا خلال مؤتمر دولي عقد في بكين، وقالت وكالة أنباء الصين (شينخوا) إن هذه المبالغ تشمل مساعدات مالية بقيمة 500 مليون يوان (82 مليون دولار) هذا العام بالإضافة إلى 1.5مليار يوان (245 مليون دولار) خلال السنوات الثلاث المقبلة من أجل التدريبات والمنح الدراسية، وأعلن رئيس الوزراء الصيني "لى كه تشيانج" عن المعونات في المؤتمر الوزاري الرابع لما تعرف ب"عملية اسطنبول بشأن أفغانستان" وهو برنامج للتعاون الإقليمي حضره الرئيس الأفغاني الجديد، وخلال الزيارة وصف "غانى" بكين بأنها "مستثمر قوى للغاية" في بلاده.