* مجلس الجنرالات فقد كل رصيده ومن يؤيدونه كانوا يخوضون في أعراض الثوار قبل تنحي مبارك * الإخوان أمامهم فرصة ذهبية للتخلص من أخطاء الماضي واثبات انحيازهم للشعب المصري * الحرية والعدالة هو حزب الأغلبية القادر علي تحجيم السلفيين وجمع فرقاء الوطن حول سيناريو توافقي للإنقاذ موقفي الرافض لفكر الإخوان المسلمين معروف وكتبته أكثر من مرة وأظنه لا يختلف كثيرا عن موقف القوي الليبرالية المعارضة لاستغلال الدين في السياسة وهو ما أدي الي النتيجة التي جاءت بها الانتخابات البرلمانية .. كما أنني لا أبريء المعسكر المدني من تحمل المسئولية جنبا الي جنب مع الإسلاميين عن نتيجة هذه الانتخابات التي لا يمكن لأحد أن يشكك في كونها انتخابات حرة لكنها افتقدت شروط الأمان الضرورية لأي عملية انتقال ديمقراطي ومنها تغاضي الدولة عن ظاهرة الشحن الطائفي التي استمرت منذ استفتاء التعديلات الدستورية في مارس الماضي وحتي المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية .. واذا كنت اتحدث عن ظاهرة الشحن الطائفي فأنا أعني ما قام به أنصار التيار الإسلامي وما فعلته الكنيسة أيضا عندما وزعت قائمة تضم المرشحين الذين تدعمهم بصرف النظر عن تصريحات النفي التي نعلم نحن المصريين أنها تؤكد الأمر وتثبته أكثر مما تنفيه .. قل ما شئت في الانتخابات لكنها – في رأيي – جاءت معبرة عن مزاج مصري يميل الي الدين باعتباره معيارا لتقييم المرشح البرلماني .. لا أقول توجه مصري لاختيار حكم ديني .. لكنه مزاج عام لدي قطاع كبير ربما لم يؤيد بعضهم الإخوان فيما مضي .. وربما لا يمنحونهم أصواتهم في الانتخابات المقبلة .. هؤلاء حددوا اختيارهم مدفوعين بعاملين في غاية الأهمية .. الأول أننا نودع عهدا طويلا من الفساد .. وربما رأي هؤلاء أن من يرفعون الشعارات الدينية هم الأقدر علي مواجهة بقايا هذا الفساد كما انهم – طبقا لرؤية شعبية تضع الدين ورجاله في مكانة رفيعة – يعتبرون أن المتدينين من الصعب أن يتورطوا في الفساد أو حتي في حمايته .. من جانب آخر – وهذه حقيقة – لم تنجح التيارات والأحزاب المدنية في تقديم شخصيات لها من الرصيد الشعبي ما يؤهلها لمواجهة المرشحين الإسلاميين بما يملكه معظمهم من رصيد شعبي وتاريخ برلماني .. بدليل أن هناك عددا من الشخصيات المعروفة صاحبة الرصيد الشعبي تمكنت من تحقيق الفوز رغم شراسة المعركة ( البدري فرغلي ومصطفي النجار نموذجا ) .. نخلص من كل ذلك الي أن خريطة البرلمان القادم بدأت ملامحها تتضح شيئا فشيئا .. ومهما كان من أمر المرحلة الثالثة فلن تغير من حقيقة أن حزب الحرية والعدالة هو حزب الأغلبية في مجلس الشعب القادم .. واتعمد هنا أن اضع مرشحي التيار السلفي في ركن منزو من الصورة رغم اكتساحهم غير المتوقع حتي من جانب حزب النور نفسه وفقا لتصريحات قادته .. ذلك أن كل المؤشرات تؤكد أن الإخوان لن يفكروا في تحالف اسلامي داخل البرلمان يكون السلفيون طرفا فيه لما يمثله ذلك من خطورة علي المستقبل السياسي للإخوان .. ليس بسبب الخلافات الفكرية بين جناحي التيار الإسلامي فحسب ولكن لأن الإخوان أنفسهم وصفوا حزب النور السلفي بأنه ” حزب سنة أولي سياسة ” .. ورغم أن ذلك حدث في غمار معركة انتخابية شرسة إلا أنه قد يشي باتجاه اخواني يعرف جيدا الثمن الفادح الذي قد تدفعه الجماعة لمواقف السلفيين الصادمة وتوجهاتهم شديدة التطرف وعدائهم العقائدي للثقافة والمثقفين وهو ما ينذر بمعارك عنيفة بينهم وبين النخبة التي تري فيهم عدوا متربصا بها .. ولأن للقدر أحكامه شاء الله سبحانه وتعالي أن يضع الإخوان المسلمين وحزبهم الفائز بالأغلبية في اختبار حقيقي حتي قبل تنتهي الانتخابات .. جاءت الأحداث الدامية في مجلس الوزراء لتصنع رأيا عاما شديد السخط علي المجلس العسكري وسياسته في إدارة شئون البلاد .. وباتت الأغلبية العظمي من المصريين – اذا اسثنينا من كانوا يصفون الثوار بالمخربين قبل تنحي مبارك – تدرك أن مجلس الجنرالات أثبت فشلا ذريعا في إدارة المرحلة الانتقالية الي الحد الذي كشف بما لا يدع مجالا للشك أن المجلس لم يكن منحازا للثورة لكنه كان يعتبرها فرصة مجانية للتخلص من مشروع التوريث .. أما فيما عدا ذلك فقد أدركنا أن مصدر المقاومة العنيفة التي تواجهها الثورة هو المجلس العسكري نفسه الذي ائتمنه الشعب علي تحقيق أهدافها .. وخسر الجنرالات الورقة الرابحة التي كانوا يبتزوننا بها وهي أنهم حموا الثورة .. ووفقا لما أراه يوميا في ميدان التحرير وكل شوارع وسط القاهرة لا اعتقد أن هؤلاء الشباب البواسل سوف يتركون الميدان ولن تفلح رصاصات الجنود وهراوتهم في طردهم من ميدان الحرية .. كما أن حملات التشويه والاغتيال المعنوي لن تؤتي ثمارها لأنها سيناريو مكرر مما كان يفعله مبارك ونظامه في خصومهم من شرفاء الوطن طوال ثلاثين عاما .. وفي إطار المبادرات السياسية لحل الأزمة جاء الاقتراح بتسليم السلطة الي رئيس مجلس الشعب المنتخب وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة .. وفي تصوري أن هذا الاقتراح كفيل بإخراج مصر من هذا النفق المظلم .. لكن من هو الطرف الأكثر قدرة علي دعم هذه المبادرة ؟ .. انه بطبيعة الحال حزب الحرية والعدالة الفائز بالأغلبية .. إنني واحد ممن هاجموا الإخوان ودعوا الي انتخاب برلمان متوازن .. ليس بمنطق المجلس العسكري الذي قاتل من أجل اتاحة الفرصة لفلول الحزب الوطني لدخول مجلس الشعب ربما ليكونوا ذراعا برلمانية له .. وانما أعني بالتوزان أن يضم البرلمان كافة التيارات حتي لا يلعب جنرالات المجلس علي التناقضات بين التيارت المختلفة ليطيل أمد استمراره في السلطة أو يفرض مرشحا بعينه لمنصب الرئيس عبر اتفاقات مع هذا الطرف أو ذاك .. لكنني الآن – ولابد أن نفعل جميعا نفس الشيء – أحني رأسي أمام اختيار الشعب المصري .. فلا يصح لأي طرف أن يدعو لديمقراطية تأتي به وتقصي خصومه .. قل ما شئت عن التجاوزات واستغلال الدين والشحن الطائفي وشراء الأصوات .. لكن نواب البرلمان المقبل يمثلون بشكل أو بآخر اختيار غالبية المصريين لمن يديرون هذه المرحلة .. لكل ذلك أدعو جماعة الإخوان وحزبها السياسي الي تحمل مسئوليتها التاريخية بوصفها صاحبة النصيب الأكبر من أصوات ملايين المصريين وهو ما يؤهلها لقيادة العمل الوطني في المرحلة المقبلة .. ولن يتحقق ذلك إلا عن طريق مبادرة توافق وطني يقودها الإخوان لإنقاذ مصر من كارثة باتت أقرب الينا أكثر مما نتصور .. يستطيع الإخوان بحكم خبرتهم الطويلة في العمل السياسي أن يجمعوا فرقاء الوطن علي مائدة واحدة .. ليتفقوا علي سيناريو واحد يضع نصب عينيه تحقيق مطالب الثورة وإنهاء الحكم العسكري الذي قتل وجرح مئات المصريين بلا ذنب ومازال مسلسل القتل مستمرا .. كما أدعو التيارات الأخري الي تناسي خلافاتها السياسية مع الإسلاميين .. نريد أن نرفع شعارا واحدا لتلك المرحلة هو الإنقاذ السياسي لمصر .. سواء جاء ذلك بتسليم السلطة لرئيس مجلس الشعب أو بإجراء انتخابات رئاسية في 25 يناير المقبل .. أو تعيين مجلس رئاسي مدني يختاره أعضاء مجلس الشعب المنتخبين بالتوافق ودون سعي الي مكاسب ضيقة قد تعطل المبادرة بجملتها .. إن الأخوان في اختبار تاريخي حقيقي .. اتمني من كل قلبي – وأنا الذي سأظل أعارضهم وهم في السلطة – أن ينجحوا فيه من أجل أن يغسلوا أيديهم من اتهامنا لهم بعقد الصفقات السياسية علي حساب الثورة .. ومن أجل أن يثبتوا لمن عارضوهم وهاجموهم أنهم عندما وضعوا في الاختبار الحقيقي كان خيارهم هو مصلحة الشعب المصري .. مرحبا بكم في كابينة الربان .. ليس من أجل حزب أو جماعة .. ولكن من أجل مصر .. الذي تستحق منا ذلك وأكثر ..