يأتي "أكتوبر" ويمضي كل عام فلا نجد سوى بضعة أفلام روائية مكررة يعاد عرضها على كل الشاشات، فإلى متى هذا الاجترار المفلس مع حدث هائل الثراء والأبعاد خلقت لمثله السينما التسجيلية والتي تزخر بالكثير ولم تقصر؟ لكن كنوزها لسبب ما غريب خبئت فحرمنا من متحف حي لذكرى جديرة بالحياة، فلو تأملنا كم الأفلام التسجيلية التي وثقت وسجلت هذه الحرب وأصداءها وأجواءها لعجبنا من اختفائها وعدم عرضها علينا، خاصة إن علمنا أن وراءها من غامروا بحياتهم يوما في جبهة القتال لإخراجها. أفلام أكتوبر التسجيلية كنز مخبأ نفتح ملفه.. هناك ثروة من الأفلام الوثائقية والتسجيلية عن حرب أكتوبر، لكن للأسف لا يوجد بعد أرشيف كامل يرصدها بدقة رغم كثرتها، بعضها تحت الترميم والآخر لم يرق لهذه المرحلة بالإضافة إلى حجب غريب للمتاح منها منذ زمن، وقد تضمنت مواضيع هذه الأفلام الاستعداد للحرب ومشاهد من الحرب نفسها وعبور خط بارليف وبطولات الحرب وأبطالها والتعبئة الحربية لحظة النصر واحتفالات ما بعد النصر أو تصوير لأسر شهداء الحرب وقصصهم، ومن هذه الأفلام "موكب النصر" و "6 أكتوبر" لسعد نديم و "نزرع المداخن.. نحصد العدو" و"تحية لمقاتل مصري" لصلاح التهامي، و"نهاية بارليف" لعبد القادر التلمساني وفيلم "انطلاق" ليوسف شاهين وهو إنتاج جزائري مشترك، و"في ست ساعات"، و"من أجل السلام"، و"موكب الأبطال"، و"وتحطمت الأسطورة"، والفيلم الرائع الهام "جيوش الشمس" للمخرج شادي عبد السلام، الذي أنتجته تشيكوسلوفاكيا في 1975 والاسم يعبر عن جيش مصر الفرعوني الممتد للحاضر بالتعبير عن عودة جيوش الشمس إلى مقرها القديم في سيناء، وقد تضمن الفيلم مشاهد حقيقية من حرب أكتوبر، وهناك الفيلم المميز "أبطال من مصر" للمخرج أحمد راشد عام 1974، الذي تناول أسرة أحد الشهداء فتعرفنا من خلالها على شخصية الشهيد وعلى حال أسرته ومشاعرهم بعد فقده مع تهيئة الابن الأصغر وإصراره أيضا على الذهاب للتجنيد كواجب وطني، وكذلك فيلم "رجال خلف المقاتلين" للمخرج محمد قناوي عام 1972، الذي أظهر قوة استعداد القوات المسلحة للمعركة من كافة المجالات بعدما روجت إسرائيل لفقر إمكانات الجيش المصري، وكلا الفيلمين السابقين من إنتاج المركز القومي للفيلم التسجيلي "للسينما الآن"، وهناك "جريدة الصباح" لعاطف الطيب و"أبطال إيلات" و"بورسعيد 71 "، ولدينا أيضا الفيلم الهام "صائد الدبابات" إخراج خيري بشارة عن البطل محمد عبد العاطي، الذي دمر أكثر من 52 دبابة فلقب بصائد الدبابات، وهي كلها أفلام قصيرة أغلبها لا يتجاوز العشر دقائق، وهناك كذلك فيلم "مسافر إلى الشمال مسافر إلى الجنوب" لسمير عوف، وهو من أفضل ما قدم عن حرب أكتوبر، وفيلم "حصاد" لحسام علي، و"الكيلو 19″ و"من أجل الحياة" لحسين الطيب، و"أغنية للسويس" و"لن نموت مرتين" و"مدفع" وفيلمي "شدوان" و"الرجال والخنادق" للمخرج فؤاد التهامي، والمصور محمود عبد السميع، وهناك "ثلاثية رفح" و"العبور" لنور شافعي، و"حكاية من زمن جميل" لسعيد شيمي، عن قصة أحد الأبطال الذي فقد عينيه في الأسر، كما قدم أكثر من 25 فيلما آخر يوثق لأحداث الحرب بين عامي 1974 و1973 مثل "ما يؤخذ بالقوة" لحسين كمال، 1969 و"حرب السلام" و"دمار" و"الشرارة" و"لماذا" و"الحرب والسلام" و"صمود" و"القرار" و"من أجل السلام" و"مبكى بلا حائط" لهاشم النحاس عام 1974 وهو من إنتاج المركز القومي للسينما و"حصاد" و"مدينة لن تموت" و"نهاية بارليف" و"أكتوبر المجيد" و"الاستعراض الأخير" وغيرها، ويعتبر فيلم "أفراح النصر" من أول الأفلام الوثائقية التي ظهرت عن حرب أكتوبر ويتناول مظاهر الفرحة بالانتصار وخاصة في مدن القناة وقد تم عرضه بعد الحرب بعامين ويسجل لقطات من الحرب وزيارة الرئيس السادات لخط بارليف، وهو من إنتاج هيئة السينما والمسرح والموسيقى، وهناك فيلم "الإرادة" من إنتاج إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة والتي تما إنشاؤها عام 1953 وهو من الأفلام القلائل أيضا التي أنتجت بعد الحرب مباشرة، ويعبر عن قوة إرادة القوات المسلحة وعدم رضوخها لهزيمة 1967، وهناك لنفس الهيئة التي كان مسؤولا عنها نبيه البيه، في ذلك الوقت أفلام "الصمود" و"أصالة مصر" و"أيام لا تنسى". . ولا تزال القائمة كبيرة. في النهاية أذكر هنا مقولة صلاح التهامي، أحد أكبر رواد السينما التسجيلية بأن العزلة المفروضة على الفيلم التسجيلي تبدو كقطع الشرايين الأساسية الممتدة لجسد السينما المصرية، مما يحول دون تنمية الحس الوطني، وحرمان الشعب من معرفة ما يدور حوله، كما أن استمرار عرض الفيلم التسجيلي في دور العرض سيجبر السينمائيين الروائيين على رفع مستواهم الفني حيث سيتاح للمشاهد التمييز بين ما هو حقيقي وما هو زائف، إنها سينما التوثيق.. سينما التاريخ الذي لا يموت.