لا يمكن قراءة التخبط التركي في التعامل مع تنظيم داعش حاليا وما سبقه من مواقف وسياسات في المنطقة إلا من خلال طموحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي تشير كافة تصرفاته إلى رغبة في بلوغ يوم ينصب فيه خليفة على المسلمين وربما غير المسلمين وان استدعى الأمر انتهاج تصفير المشاكل كبداية للتغلغل أو تعظيمها إن استدعى الأمر ليظل رقما مهما في حلها. فقد كان أول إعلان صريح عن أحلام أردوغان في استعادة ما يراه من أمجاد الخلافة العثمانية خلال العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة أواخر العام 2008 حينما انتقد أردوغان وقد كان وقتها رئيسا للوزراء العدوان باعتباره "يمثل نقطة سوداء في تاريخ الإنسانية" لكنه قالها بوضوح "أنا لا أتحدث بصفتي ممثلاً لتركيا، بل كوريث للخلافة العثمانية". يومها امتنع الكثيرون عن التفكير في أبعاد هذا التصريح أمام ترحيب صاخب بموقف تم الترويج له على أنه بطولة في زمن خنوع وانكسارات تبعه تسويق بحرفية لمواقف أخرى كترك أردوغان منصة إحدى ندوات منتدى "دافوس" الاقتصادي في سويسرا احتجاجاً على منعه من التعليق على مداخلة مطولة للرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز وهو موقف لم يمثل أية إفادة عملية للقضية الفلسطينية باستثناء ما حصل عليه أردوغان من استقبال حافل تم التحشيد له بعناية لدى رجوعه إلى بلاده إضافة الى الإشادات التي حصل عليها على المستوى الشعبي في سائر البلدان العربية وبترويج بدا ممنهجا حتى استقر في اذهان الكثيريين أن تحرير الأقصى لن يتم الا على يد أردوغان. وإضافة الى أن القضية الفلسطينية كانت البوابة الرئيسية لتدخل تركيا أردوغان في عقول سكان المنطقة قبل سياساتها وخطوات تحديد مستقبلها .. كان في سياسة (الصفر مشاكل) التي انتهجتها تركيا في بداية (حقبتها الأردوغانية) تشجيع للكثيريين على وضع آمالهم وأحلامهم على ما وصفوه ب(النموذج التركي). فحينما طرح رئيس الوزراء الحالي أحمد داود أوغلو وقت أن كان وزيرا الخارجية قبل عدة سنوات (صفر مشاكل مع الجيران) كإستراتيجية لتركيا خلال سنوات حكم أردوغان وحزبه العدالة والتنمية بدأت تركيا بالانفتاح على جيرانها فتحسنت العلاقات بينها وبين سوريا بشكل متسارع لم يثر أية ريبة في وقتها لكن هذا الانفتاح الذي اطمأن له السوريون هو ما فاقم من أزمتهم بعد ذلك عندما أخذوا غدرا وانفتحت عليهم شلالات من الإرهابيين من شتى أصقاع الأرض كانت الحدود التركية معبرهم الأساسي هذا بالاضافة إلى التذبذب في العلاقات مع إيران جراء موقف أنقرة من الأزمة السورية. ومع تقارب ظهر مع العراق في بداية حكم أردوغان دخلت الحكومتان في مشاكل جراء تصدي تركيا لعمليات بيع النفط المختلف عليه بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة اقليم كردستان العراق. كما أن علامات استفهام كثيرة تثار حول موقف تركيا من تنظيم داعش بداية من تواجد هذا التنظيم في سوريا وامتداده الى العراق مرورا بالطريقة الغامضة التي تم بها الافراج عن الدبلوماسيين الأتراك الذين احتجزهم مسلحو داعش في العراق بل وحتى الموقف التركي من معارك داعش في منطقة عين العرب السورية المحاذية لتركيا. فالتلميحات التركية التي تصل الى حد التصريح بوضع مطلب اسقاط نظام الرئيس بشار الأسد كشرط لمحاربة داعش يجعل من هدف تركيا الرئيسي بالمنطقة هو اسقاط كل نظام لا يدين بالولاء ل(الباب العالي في الاستانة) الذي بدا فاقدا لأعصابه في الأممالمتحدة في (خطاب الكراسي الفارغة) على حد وصف صحف المعارضة التركية.