استمعت إلى هذا الهتاف من جماهير النادى الإسماعيلى، عندما كنت صغيراً، هذا النادى الذى أحبه وأعشقه، بصرف النظر عن وضعيته ونتائجه الحالية، فذالك نتاج فقر الامكانات المالية، وسوء الإدارة، التى استسهلت سياسة بيع نجوم النادى للفرق المنافسة، دون التفكير فى تدبير موارد مالية ثابتة تعوض جانباً ليس بالقليل لفقر القدرات المالية. كان هذا الهتاف موجهاً لجماهير الأندية الأخرى، خاصة الزمالك والأهلى والمصرى البورسعيدى، عندما كان الاسماعيلى يتفوق، لعباً ونتيجة، ولم يكن ما تبقى من الوقت للفرق المنافسة بمقدوره تغبير نتيجة المبارة. أستعير هنا هذا الهتاف، وأتوجه به لكل مسئول، صغيراً أم كبيراً، فى بلدنا، فى ظل إستمرارية حالة "المراوحة فى المكان والزمان"، وغياب البرامج والسياسات، والأهم الرؤية فى كيفية معالجة ما تعانيه البلاد من مشكلات وأزمات متراكمة من حكومات متعاقبة، وليست كلها وليدة اليوم. فلم يعد مقبولاً، ولا ممكناً، مقولات "معنديش.. أجيب لكم منين" وما شابهها، لأن ذلك يطرح التساؤل: إذا كان الحال كذلك، فما مبرر بقاء من بيدهم القرار والسلطة فى مواقعهم؟ بالقطع، الشعب يدرك حقيقة الوضعية الصعبة للبلاد، لكنه فى ذات الوقت يئن من وطأة الأزمات الحادة الى يعانى منها، ولم تعد لديه القدرة على تحمل المزيد من تردى الأوضاع، خاصة فى غياب المصارحة والمكاشفة، حول الرؤية قصيرة المدى والمستقبلية لحل هذه المشكلة أو تلك. مما يكرس فشل الإدارة فى التقليل من حجم المشكلات، بل تفاقمها!! ما الأسباب الفعلية وراء انقطاع الكهرباء والمياة لعدة ساعات؟ بكل ما تخلفه من خسائر فى أرزاق المواطنين. والأهم، هو لمن تنحاز سياسات وقرارات من هم فى موقع المسئولية واتخاذ القرار؟ هل لغالبية الشعب المطحون؟ أم لفئة معينة؟ هى بالأساس خارج دائرة المعاناة!. لماذا يفقد من بيدهم السلطة واتخاذ القرار البوصلة الحقيقية؟ هل ذلك مرده عدم إحساسهم ينبض الشارع ومعاناة الجماهير؟؟ ومما يدعو للدهشة والاستغراب، أن الكثير من الخبراء والمتخصصين فى كثير من المجالات يطرحون العديد من الحلول القابلة للتنفيذ، سواء فى الحاضر أو المستقبل، والمبكى أن من يعنيهم الأمر لا يهتمون ولا يبالون، ويتواصلون فى بروجهم العالية ومقاعدهم المريحة. والأهم، أن الاجابة سابقة التجهيز، تكون فقر الإمكانات المادية فى ظل الوضعية الصعبة للبلاد !! ومع الإقرار بوضعية الامكانات المالية يبرز التساؤل حول ما إذا كان من بيدهم الأمر يعرفون حقيقة ما يمكن تسميته "بفقه الأولويات"، أى ترتيب قائمة الألويات حسب الإمكانات المتاحة. وهنا تبدو الدهشة من الإصرار على مشروعات ضخمة تتكلف المليارات الجنيهات، دون دراسات جدوى فعلية، مثل ما أطلق عليه، بالخطأ "مشروع قناة السويس الجديدة" والذى لا يعدو أن يكون سوى "تفريعة" جديدة، مع تطوير وتعميق مجرى القناة الحالية، وهذا الأمر تفرضه أوضاع القناة الحالية ويدخل ضمن تقديرات ودراسات هيئة قناة السويس وتطورات حركة النقل البحرى، وطبيعة الناقلات وغاطسها. فلماذا كانت كل هذه الضجة الإعلامية، وذلك الحشد، خاصة بعد أن صادف المشروع بعد بدء التنفيذ، ونظرا ًلغياب الدراسة المسبقة والتخطيط الجيد، بعض المصاعب، مثل ظهور المياة الجوفية على عمق 9 أمتار من الحفر على الناشف، والتى يتطلب التغلب عليها ارتفاع التكلفة فى حالة التكريك، وعدد الكراكات المطلوبة لهذا الخصوص، وهو ليس بالأمر السهل، نظراً لكونها غير متاحة مباشرة بالسوق، بل يتوجب ان يتم الاتفاق على تصنيعها مسبقاً، وهو ما يتطلب فترة زمنية لا تقل عن سنتين، وربما أكثر، وهو ما يتعارض مع المدة المحددة جبراً للتنفيذ، أى عام واحد كطلب القيادة السياسية، حتى لو كان الغرض من ذلك هو التحفيز وشحذ الهمم . بيد أن ثمة أمور تتوجب مساحة من الوقت يفرضها طبيعة المشروعات ذاتها. ومما له صلة، فقد كانت حصيلة ما تم جمعه لصالح صندوق "تحيا مصر" المخصص للمشروع، من المشاركات الشعبية والجماهيرية، قرابة 60 مليار جنية، بعض النظر عن حافز ارتفاع فائدة السندات لتبلغ 12 %، وهى الأعلى بالمقارنة مع مثيلاتها. هل كان الأمر أفضل لو تم تخصيص هذه المبالغ فى مشروعات تخدم الاقتصاد القومى، مثل معالجة أوضاع المصانع المعطلة، ودفعها لمعاودة الانتاج، وتشغيل العمالة فيها، وغيرها من المشروعات الأخرى التى لا يتسع المقام لحصرها. وفى التحليل الأخير، لا نمل من تكرار أننا لا نملك رفاهية هدر الوقت والجهد، مما يفرض على من يتصدى لتقلد منصباً عاماً، أن تتوافر فيه المواصفات الكافية لشغل هذه المناصب، والرؤية الواضحة، وتقبل النقد، والمصارحة والمكاشفة، فليس المنصب مطلوباً لحد ذاته، بل للخدمة العامة، فإذا لم يتوافر كل ذلك، فلا معنى للتشبث بالمناصب، وضرورة فتح المجال لمن هم أفضل.