يأبى زعيم ما يسمى تنظيم القاعدة أيمن الظواهري أن يترك الساحة بهدوء باحثا عن أي طريق يوصله إلى الشاشات حتى وإن كان هذا الطريق يمر عبر الهند التي أعلن نقل أعماله إليها، فيما بدا أنه تقاعد مريح بعد لهاث لم يوصله للحاق بغريمه أبو بكر البغدادي زعيم ما يسمى تنظيم "داعش" الإرهابي. فالظواهري الذي حمل راية القاعدة خلفا لأسامة بن لادن بعد مقتل الأخير على يد قوات كوماندوز أميركية في منزله في باكستان في مايو 2011 أعلن الأسبوع الماضي في شريط فيديو إنشاء فرع جديد للتنظيم في الهند بنفس الدعاوى المتعلقة ب(نشر الحكم الإسلامي ورفع علم الجهاد) لكن في أنحاء شبة القارة الهندية هذه المرة. وجدد الظواهري ولاءه للملا محمد عمر زعيم حركة طالبان الأفغانية معبرا عن ازدرائه لما يسمى تنظيم (داعش) الذي يتزعمه أبو بكر البغدادي. ويشير التسجيل الأخير للظواهري إلى تراجع وترك للساحة في العراقوسوريا وربما في منطقة الشرق الأوسط بأكملها أمام البغدادي. وجاء هذا التسجيل بعد أن حاول الظواهري إثبات وجوده أمام البغدادي بالترغيب تارة عبر الثناء عليه ودعوات المصالحة بين ما يسمى "جبهة النصرة" المؤتمرة بأمر (القاعدة) من ناحية و(داعش) من ناحية أخرى في القتال المستعر بينهم في سوريا، وبالترهيب تارة أخرى عبر وصف البغدادي بأنه "جندي القاعدة المتمرد" كما ساق الأدلة التي وصفها ب(القاطعة) عن وجود بيعة له في عنق البغدادي. والواقع أن تقدم البغدادي على الظواهري في صراعهما على قمة هرم الإرهاب العالمي ينبع من عدة مزايا ساقتها الظروف للبغدادي. فبداية قدم البغدادي نفسه على أنه قرشي النسب ما يتيح له أحقية الحصول على لقب (أمير المؤمنين) دونا عن الظواهري والملا محمد عمر حيث يقدم البغدادي في الخطب والمكاتبات التي تملأ الفضاء الإلكتروني نفسه تحت اسم إبراهيم بن عواد بن إبراهيم البدري الحسيني القرشي السامرائي. كما أن الطريقة المسرحية التي أعلنت بها البيعة للبغدادي كانت مبتكرة وتوحي بأفول نجم زعماء القاعدة الذين أصابتهم الشيخوخة وما عادت كهوف أفغانستان تجذب أعضاء جددا ما دام ما يقدمونه لأنصارهم تحت مسمى الجهاد يمكن تحقيقه على ضفاف دجلة والفرات. فقد اعتلى البغدادي في يوليو الماضي المنبر خلال صلاة جمعة بجامع النوري الكبير ذي الطابع الأثري بالموصل قادما في موكب وسط حراسة مشددة من مسلحي التنظيم وتداولت المواقع الإلكترونية تصويرا كاملا بدرجة نقاء عالية لوصوله وصعوده المنبر وإلقائه الخطبة التي أعلن فيها تنصيبه خليفة. ولا شك أن واحدا كأيمن الظواهري والذي ينقل مقربون منه أنه يعشق الظهور والاستعراض، وهو الأمر الذي تجلى في اغتنامه أية مناسبة للإطلال على الشاشات بشرائط الفيديو أيقن خلال مشاهدته لخطبة البغدادي أنه لا قبل له بمجاراته. فالظواهري حتى هذه اللحظة لم تتعدَّ دولته المزعومة كهوف أفغانستان ولم يجرؤ على اعتلاء منبر في صلاة جمعة في جامع له تاريخ، كما أن مسلحيه لم يستطيعوا يوما السيطرة على حقول نفط بل وبيعه عبر وسطاء دوليين، كذلك أحجمت الولاياتالمتحدة عن إمداده بأسباب الحياة المتمثلة في التحذيرات من إمكانيات خارقة تملكها القاعدة. ولم يجد الظواهري أمام هذا التطور الذي لا قبل له به بدا سوى التقاعد المريح ولو بإعلان فتح فرع جديد لتنظيمه في الهند على أمل أن يتيح له فرصة للظهور على الشاشات عبر شرائطه المسجلة. أما البغدادي فلا شك أنه سيصاب بتخمة جراء تكاثر التحذيرات من قوته وقدراته الإرهابية قبل أن ينتهي إلى ما انتهى إليه ابن لادن أو الظواهري أو أبو مصعب الزرقاوي. [email protected]