قبل سقوط نظام المخلوع مبارك بسنوات قلائل، أسر لي أحد الحراس الشخصيين لحاكم عربي باندهاشة من العجرفة والعنجهية حد القبح اللفظي التي يدير بها جمال (نجل المخلوع) تعاملاته الشخصية مع المحيطين به، فخلال زيارات مبارك لتلك الدولة أو استضافة مصر لحاكمها، وحسب رواية الحارس، لم يكن نجل المخلوع ليتورع عن التفوه بعبارات السباب والشتائم التي لا تليق بأخلاق نجل رئيس عربي، ما كان يثير اندهاش ونفور المحيطين به.. والحق أنني لم أعير اهتماما لتلك الرواية لما لم يحكمها من دليل عيني قاطع يجزم بصحتها، لكن لا بأس من الاستماع، فمن نميمة القصور ما يثير الفضول، حتى وإن كان لا يسمن أو يغني من جوع. وبعد سقوط نظام مبارك ومن بعده نظام الإخوان، كان أن استعادت تلك الرواية نفسها من أرشيف الذاكرة، لتتقاطع وبشكل صارخ مع روايات محامي الجواسيس فريد الديب وبعض من المحيطين بمبارك وعائلته وأركان نظامه الساقط، والتي يحلو لها التغنى بأدب وكمال الوريث جمال، وتسرف في الثناء على تأدبه الجم وأخلاقه الرفيعة، حتى ظننت أن الموقف يستدعي التوجه الى نقابة السادة الأشراف لاستكشاف نسب مبارك وأنجاله، ففي اسهال الإطراء والمديح "الفلولي" ما قد يخفي أسرارا تكذب رواية عابرة سمعتها، أو افتراءات يحلو لبعض الموتورين ترويجها، حتى وإن كانوا من غير المصريين، أو ممن لا يحكمهم ضغينة مباشرة تجاه مبارك وعائلته. لا مفر إذن من عدم التوقف كثيرا بين ضفتي رواية الحارس والحكايات الفلولية، فعلى جسورهما يُحرر الخبر وتُنسج الرواية وتُكتب الشهادة محتفظة بافتراضات الصدق أو الكذب، ذلك فقط في ضوء ما أحاطها من أسوار عالية وأبواب مغلقة تجعل الحكم البات والنهائي أمر مستحيل، لكن ولأن لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها، فإن تلك الحماقة تتضاءل أمام مغالطات تكذب واقع لم يترامى الى مسامع المصريين، بل عايشوه واصطلوا نيران حجيمه على مدار عقود، وكان الحكم البات هو إدانته بثورة مجيدة أسقطت تحالف الفساد والاستبداد، وفضحت موبقاته وجرائمه في حق وطن عظيم شامخ، لينزلق اليوم الحجر من القمة الى القاع، في محاولة لإصابة عقول المصريين بالزهايمر، عبر غسيل ممنهج لسمعة مبارك ونظامه بروايات ملفقة وبطولات كاذبة في جرائم لم تقع خلف الأسوار، بل في قلب كل مصري شريف. تنطع مبارك أمام عدالة المحكمة بمرافعة سياسية، تحاول إزالة بقع الدماء من ثوبه السياسي وتنعت الثورة بالمؤامرة والفوضى، وتخلط تاريخه العسكري بالسياسي، وعلى نفس النغمة عزف وزير داخليته العادلي متنصلا من جرائمه، ومتسربلا في ثياب الوعاظ والنُساك، وراكبا موجة الهجوم على يناير، وفي ذلك يعي مبارك وجلاده أن "الميكافيلية" وغايتها التي تبرر الوسيلة هي مهربهما الوقتي من مأزق التاريخ الذي ألقاهما في مهاوي جبه، لكن المكر والحيلة خانا الرجلين بحيث لم يستكملا قراءة بقية مشهد الفلسفة الميكافيلية التي تقول في أحد سطورها "لا يُخدع .. من عَلِم أنه خُدِع"،حقا، فالمصريين تعلموا الدرس وحفظوه عن ظهر قلب. لن نعطف مبارك على جرائم التوريث والخصخصة وسرطان الفساد والزبائنية السياسية ومجتمع النصف في المائة وتفشي الأمراض المزمنة والتبعية للامريكي للصهيوني، فحسبنا وضع تلك الكلمات على تداعي المعاني "الجوجلي" لتكون المحصلة الطبيعية هي عصر المخلوع، وهي كلها سياقات عامة لا يعوزرها شهود عيان أو تسريبات، بقدر حاجتها لكل مثقال ذرة من جهد في الوقوف أمام محاولات النيل من ثورة 25 يناير، والوقوف بالمرصاد أمام تلك الموجة المسعورة من مبارك ورجالاته واركان حكمه المتهاوي ومحاسيبه للتشكيك في إرادة ملايين المصريين، ومن ثم إشاعة أجواء عدم الثقة في شرعية كل ما حدث منذ ال11 من فبراير وحتى الآن! حسنا.. فليواصل مبارك غزل خيوط الأكاذيب والافتراءات، وليحاول رجالاته استثمار الغضب من أبناء عمومتهم "المتأسلمين"، وفي نهاية هذا الشهر ستقع الواقعة، وقد تدفع بهم منصات القضاء إلى خارج السجون أو تستبقي عليهم عبرة لمن يعتبر، ففي ذلك المقام يحتكم ضمير القاضي الى الأوراق والمستندات وأدلة الثبوت وشهادات الشهود، أما عن حكم التاريخ فقد خرج في ال11 من فبراير وأطاح معه بمبارك الرئيس من حسابات الشرف والكرامة والإنسانية، بما لن تجدي معه عمليات التجميل السياسية لتاريخه وعصره، وان أتى المخلوع بالشمس من المغرب، أو لج بالجمل في سَمِّ الْخِيَاطِ، فذلك جزاء المجرمين.