سحر أسود وغموض وخيال وجريمة ولغز .. بعض من مزيج قدمه الفيلم الذي يوحي عنوانه بالكثير من مكوناته "الفيل الأزرق"، الذي يعرض حاليا في دور العرض محققا إقبالا جماهيريا كبيرا، وهو من إخراج مروان حامد، وبطولة كريم عبد العزيز، وخالد الصاوي، ونيللي كريم، ذلك الفيلم المأخوذ عن رواية "الفيل الأزرق" لمؤلفها أحمد مراد، وهو كاتب سيناريو وحوار الفيلم. الرواية حققت مركزا متقدما في مبيعاتها وقراءتها خاصة بين الشباب، ولكن فكرته وثيمته الأساسية تتشابه مع الفيلم الأجنبي "The tattoist " بمعنى "صانع الوشم"، إنتاج عام 2007 للمخرج بيتر بيرجر، والكاتبين ماثيو جرينر، وجوناثان كينج، وبطولة جيسون بير، الذي يدور حول صانع وشم أمريكي شاب يدعى جاك سوير، يعيش في نيوزيلاندا يرى بعض الرجال يشمون صدر رجل بأداة غريبة فيموت، ليجد أداة مشابهة يأخذها لكنه يسقط أرضا ويجرح، ثم يكتشف أن كل من وشم له بعد هذه الحادثة قتل، وأن هناك عفريتا للوشم كان يظهر له في المرآة، فثيمة عفريت الوشم وجرائم القتل مشتركة بين الفيلمين. والحقيقة سواء كان "الفيل الأزرق" مأخوذا منه أو مستوحى أم لا، فالفيلم الأجنبي يصنف كفيلم رعب وفانتازيا بشكل واضح، وهو أمر له خصائصه ومنطقه الذي يبيح بعض الأشياء، لكن "الفيل الأزرق" كانت أول مشكلة في قراءته وتحليله هي تصنيفه، فلا هو فيلم خيال أو فانتازيا، ولا هو فيلم واقعي فقط أو بوليسي، فالفيلم يتأرجح بين الواقعية الشديدة بتفاصيلها الدقيقة، وبين الفانتازيا والرعب بحيث يفسد منطق كل منهما الآخر أحيانا بوضع كل التوابل معا، وإن كان ينتمي للواقعية السحرية، فقد يكون المزج مقبولا إن صيغت ومزجت خطوطه دون أن تكسر بعضها بل تذوب معا بسلاسة. فيلم الفيل الأزرق، يدور حول "يحيى" (كريم عبد العزيز) الطبيب النفسي الذي يعود لعمله بعد انقطاع وانعزال لمدة 5 سنوات منذ تعرضه لحادث طريق أودى بزوجته وابنته، ويعد رسالة دكتوراه في التحليل النفسي عن طريق لغة الجسد التي يجيد قراءتها ببراعة، تلك الميزة التي لم تستغل في صميم الموضوع إلا مرة واحدة مع مريضه البطل الآخر ولم توظف بعدها. يتسلم يحيى، عمله الجديد في قسم "8 غرب" المعروف بالحالات النفسية لمتهمين في جرائم قتل وعنف لعرضهم على لجنة لتقييم حالتهم النفسية ومسؤوليتهم عن جرائمهم، ليفاجأ بصديقه القديم الطبيب شريف الكردي (خالد الصاوي)، أحد النزلاء بالقسم، وللمصادفة كانت رسالة الدكتوراه الخاصة به عن الشيزوفرينيا ولغة الجسد، وهو متهم بقتل زوجته لكنه ينكر ولا ينطق إلا بكلمة "ملح"، ولا يكتب دوما إلا رقما غريبا مكونا من عدة أرقام، ليأخذنا الفيلم بشكل شيق يحسب له إلى حل هذا اللغز بأحداث متصاعدة ومعلومات غزيرة متوالدة تزيد الخيوط والالتباس معا لتظهر شخصية "نائل" التي يتحدث بها شريف كشخص آخر أكثر عنفا وعدوانية ليزداد التعقيد، وتزداد محاولة تقديم التفسيرات الأقرب لفهم الحالة، كمرضه أو تحايله، والأبعد كذلك عن حل اللغز وهي حبكة مليئة بالغموض والإثارة والتشويق أجادها المخرج والكاتب، الذي حملت كتابته أيضا لسيناريو الفيلم ميزة الوحدة الواحدة للكتابة، والفهم الأعمق لتفاصيل العمل دون تدخل قد يفسده، لكن ربما عابها البعد عن النظرة الأبعد الأشمل التي كانت جديرة بسد ثغرات تم تمريرها. يبحث يحيى جاهدا في حياة شريف للوصول للحقيقة ومساعدته بالتعاون مع أخته "لبنى" (نيللي كريم)، التي كان يحبها قبل زواجه، حتى يتبين أن الأمر منبعه صانعة وشم صنعت "تعزيمة" بعفريت وشم لشريف بطلب من زوجته "بسمة"، لوجود مشاكل بينهما. رحلة حل اللغز مرت بعلامات عدة متدفقة ثرية بالخيال برع فيها الكاتب، وأشعلت وهج إبداع الكاميرا، حيث تميز التصوير بالنقلات المميزة السريعة المفاجئة والناعمة معا بتكنيك عال مع جودة مؤثرات الصوت وتجسيمه، فخرج الفيلم بشكل لا يقل صناعة عن الأفلام العالمية وهذا يحسب له، فنجح في إضفاء الجو الأسطوري والسحري ببعض المداخل، مثل كتاب التاريخ القديم للجبرتي الذي كانت تتطابق أجزاء منه مع الواقع تماما، وحبة الفيل الأزرق التي أهدتها ليحيى "مايا" صديقته، التي تجعله يرى مالم يره، فيرى صورا تخص الجريمة وأحداثا في عصر المماليك لشخصيات اللغز تساعد في تفسيره، وكذلك الكلب الأسود الذي يظهر ويختفي، وقد مثل ذلك كله مادة إثارة، وشكل صورة جذابة تفوق فيها إبداع الجرافيك، فالفيلم من جهة الصناعة مميز ونقلة تستحق أن تقدر. ومن جهة المضمون، ففي رأيي أن أفضل ما فيه هو إظهاره مدى غموض النفس الإنسانية، وسهولة أن يشك الشخص في نفسه التي يظن أنه يمسك بزمامها. هذه الشعرة بين العقل والجنون، والحقيقة والظنون، ففي لحظة ما ينجح شريف أن يشكك يحيى في صحته النفسية والعقلية فيبدأ بتصديق أنه مصاب بالشيزوفرينيا. راعى الفيلم عملية التحويل السينمائي بشكل أكثر مناسبة للأسرة من الرواية وتفاصيلها فجاء الفيلم دون مشاهد خارجة، واستبعد بعض التفاصيل دون إخلال، ولن أذهب بعيدا بالسخرية من بعض الغرائبيات كعالم الجن والسحر والقميص المسحور والأزمان المتعددة والطلاسم التي لا أستنكرها كنوع تفتقده السينما المصرية، ولا بأس من وجودها، لكنه إن مزج بالواقع الخارجي والنفسي الدقيق كان لا بد من التوقف مع منطقه، وهنا نكتشف دلالة حبة الفيل الأزرق الأخيرة التي انتهى الفيلم بابتلاع يحيى لها وهو يردد: "وهيفضل الفرق بين الحقيقة والخيال باب اسمه الفضول"، وهي دلالة تختلف إلى التميز لو كانت لا تختم الفيلم، وإلى الإسفاف حين اختتم بها خاصة بعدما وصل للتطهر والسلام النفسي في رحلة فك اللغز واقترب لذاته وشفي من ألمه وتزوج من يحب وأنجب منها كنهاية تقليدية، بالمناسبة، هبطت بخط الفيلم، فإن كان الفضول بالفعل خطيئة الإنسان الأبدية فقد بدا وكأن طريق التغييب هو بوابة لإشباع الفضول والمغامرة. ومن ثغرات الفيلم إرسال شريف ليحي خطابا من قبل لأنه كان يثق أنه سيساعده، فكيف لشريف الواقع تحت سيطرة الجن نائل، ولا يتكلم ويكتب بصعوبة أن يفكر بمنطق ويقوم بذلك؟ كما أن تجسيد حادث زوجته وابنته كان هاما للدخول لعالم يحيى النفسي، وهو ما جاء سردا فقط، أما من جهة التمثيل فقد برع خالد الصاوي، وتألق في منطقة يجيد استخدامها وتخليقها، فأخرج الكثير من طاقاته وأثرى الفيلم بأدائه، وكان حضور كريم عبد العزيز، وأداؤه جيدا، لكن نيللي كريم، كانت أقل مما اعتدناها فكان أداؤها يميل للفتور وربما هذا ما وجهت إليه. في النهاية، الفيلم له نقاط جيدة وحبكة متقنة تحسب له ويبعث روحا جديدة في السينما الراكدة لكن مضمونه يحتاج ضبطا وحذرا في تناوله