تصوير – حسام بكير أنشأه حفيد محمد علي سنة 1897 .. واستحوذ عليه رجل أعمال سكندري رئيس الآثار الإسلامية: قلة الموارد تمنعنا من الترميم أو انتزاع الملكية مدير "القاهرة التاريخية": الآثار تواطأت بتسجيل القصر خدمة للمشتري فى شارع شامبليون بمنطقة وسط البلد يقبع قصر سعيد حلمي، حفيد محمد علي باشا، مختفيا خلف القبح والعمارات المرتفعة، يتمسك بماضيه وتاريخية، واكتفت تماثيله الأثرية بالنظر إلى الحال المؤسف الذي لحق بها. أنشأ سعيد حلمي بن محمد عبدالحليم بن محمد علي باشا القصر عام 1897، حيث ولد ودرس بالقاهرة قبل أن يسافر إلى سويسرا لاستكمال تعليمه العالي، ومكث بها 5 سنوات، حتى حصل على شهادة فى العلوم السياسية، ثم انتقل إلى إسطنبول سنة 1888 ووظف عضوا فى مجلس الدولة، وحصل على العديد من الأوسمة والجوائز, ثم عين واليا لروملي، وفى نفس السنة تم القبض عليه بتهم لم تثبت عليه فأفرج عنه وعاد إلى مصر. ولكنه سرعان ما انعزل عن الحياة السياسية التركية منذ سنة 1890 إلى ،1893 ثم استدعاه السلطان التركي ليتولى منصب وزير الخارجية، ثم الصدارة العظمى "رئيس وزراء"، ليحصل على وسام التميز من السلطان العثماني بسبب نجاحاته العسكرية والسياسية والدبلوماسية، وكان يتقن الفارسية والإنجليزية والفرنسية، وكتب 8 مؤلفات جمعت فى مجلد واحد يعتبر من أهم المراجع فى دراسة الفكر الإسلامي وتحليل أسباب تفكك الإمبراطورية العثمانية. ولكن سعيد حلمي كان من أشد المعارضين لدخول تركيا الحرب العالمية الأولى، وكان صاحب مواقف متشددة ضد الإنجليز مما أدى إلى تقليص سلطاته خلال الحرب، وفى سنة 1917 عزل من منصبه كرئيس لوزراء تركيا، وصادرت السلطات الإنجليزية أملاكه كان من بينها "قصر شمبليون". القصر الذى يعد بناية معمارية فريدة أنشأها أشهر المعماريين الإيطاليين "أنطونيو لاشياك" الذي صمم قصر المنتزه, والعمارات الخديوية بشارع عماد الدين, والمبني الرئيسي لبنك مصر في شارع محمد فريد، وبعض القصور بمدينة القاهرة، ومنها قصر الأمير يوسف كمال بالمطرية ، حيث صمم القصر على طراز معماري فريد استغرق إنشائه 6 سنوات. « البديل» ذهبت إلى القصر للوقوف على ما آل إليه هذه المبنى التارخي الفريد، لنكتشف أن القصر ملك لرجل أعمال إسكندرانى، قام بتعيين خفير خاص له داخل القصر. فى العاشرة صباحا أتى الرجل الخمسيني ويدعي عم بشير، ليفتح الباب الرئيسي، منتزعا كرسي معدني من داخل أحد الغرف الموجودة بجانب الباب، ليجلس عليه خارج القصر فى انتظار ظلام الليل للعودة إلى أسرته. عم بشير قال ل«البديل» إن القصر يعد ملكية خاصة لأحد رجال الأعمال ويدعي "رشاد عثمان" من محافظة الإسكندرية، وتشرف علية وزارة الآثار، وأضاف أنه تولى حراسة القصر منذ عامين فقط، ويتواجد هنا لحمايته ومنع أى ضرر قد يلحق به. بصعوبة بالغة، تمكنا من إقناع عم بشر بالسماح لنا بدخول القصر، لنتجول بأروقته، ونتأمل جدرانه وأعمدته التي تحمل عبق التاريخ. طراز فريد يعانى الإهمال للوهلة الأولى، اكتشفنا أننا أمام منشأة أثرية فريدة الطراز، مازالت تحتفظ بجمالها وأصالتها، وقوة بنائها، ولكننا وجدنا قليلا من الأشجار التى كانت تزين حديقة القصر قد انتزعت من جذورها أو قطعت سيقانها. الجمال والبهاء الذى يبدو عليه القصر تشوهه النوافذ المهشمة نتيجة الإهمال، حيث تهشم زجاجها، وانتزعت الأطر الخشبية من بعضها، فيما تفوح رائحة المياه الراكدة بالبدروم الموجود أسفل القصر. أما جدران القصر من الخارج، فقد احتلتها ورش صيانة السيارات، التى تملأ شارع شمبليون فضلا عن الاستراحة التى تستخدمها المقاهي الشعبية المقابلة لجنبات القصر. سالى سليمان، المرشدة السياحة وصاحبة مدونة البصارة المهتمة بالآثار والتراث، قالت إن القصر أنشأ على مساحة 4781 م2، وصممه المعماري الإيطالي الشهير أنطونيو لاشياك، واسغرق إنشائه 6 سنوات ما بين عامي 1897-1901. وتضيف سالي: صمم "لاشياك القصر على طراز النيو باروك، المطرز بالرخام الأحمر النادر المموه والمطعم بالأبيض العاجي، ويتكون من مبنى رئيسي مكون من طابقين وبدروم، وبجانبه جناحين متماثلين يتكون كل منهما من دور واحد وبدروم ويتصلان بممشى خاص بالمبنى الرئيس، كما أن لاشاك أراد أن ينشئ شيئا مختلفا، فنوع من استخدام الوحدات الفنية على جدران القصر، من تماثيل مستوحاة من الأساطير، وأقنعة آدمية وزهور منتظمة فى عقود وزخارف هندسية وفيونكات ونياشين، والحروف الأولى من اسم سعيد حليم. سُجل القصر بالمجلس الأعلى للآثار بناء على قرار اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية بجلستها بتاريخ 12/5/2000م وعلى قرار مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار بجلسته بتاريخ 26/6/2000م بالموافقة على التسجيل. الآثار تعجز عن إنقاذ القصر محمد عبدالعزيز مدير مشروع القاهرة التاريخية، بوزارة الآثار، أوضح أن الآثار فى عصر النظام السابق اشتركت فى جريمة ضياع القصر من البداية. وأضح عبدالعزيز أنه بعد تسجيل القصر ظهرت تفاصيل القصة عندما اشتراه رجل الأعمال ورجل الحزب الوطني الملياردير رشاد عثمان لصالح شركة الفتح للتنمية العقارية بموجب العقد المسجل قي 13/11/2000م من مجموعة من الأجانب هم ثمانية من الإيطاليين وواحد فرنسي (باولا مود يانو- ليفيا مود يانو – ليدينا هير ليتز – برونو هير ليتز – لينا كراوس – ليفيا هير ليتز – سيلفيا ليان – لورا مود يانو – جاك زادوك) بإجمالي مساحة 4036 مترا مربعا، وبمبلغ 1.3 مليون جنيه مصري. ويضيف: كان القصر في هذا التوقيت تشغله مدرسة الناصرية الإعدادية بنين، وبطبيعة الحال فلا يستطيع مالك القصر استلامه إلا بعد إخلاء المدرسة، وهنا تبدأ القصة، وأيضا الوسيلة الوحيدة لإخلاء المدرسة هي تسجيل القصر كأثر .. وعليه، فقد صدر القرار الوزاري رقم 121 لسنة 2002م بتسجيل القصر في عداد الآثار الإسلامية والقبطية، وبعد عامين من شراء رشاد عثمان للقصر؟. وتابع عبدالعزيز، وبتاريخ 16/5/2006م بدأت القصة من جديد بخطاب من محافظة القاهرة للسيد وزير الثقافة يفيد بأن المحافظة قد قامت بإخلاء قصر سعيد باشا حليم الذي كانت تشغله مدرسة الناصرية الإعدادية بنين بحي غرب القاهرة من الأغراض التعليمية ويطلب المحافظ من السيد الوزير تشكيل لجنة للتنسيق مع مديرية التربية والتعليم بالقاهرة لإجراء عملية تسليم القصر للمجلس الأعلى للآثار حتى يتسنى للوزارة اتخاذ اللازم نحو ترميم القصر وصيانته لاستخدامه في الأغراض الثقافية بعد ترميمه. وعلى الفور، قام الدكتور زاهي حواس باستصدار قرار بتشكيل اللجنة بالقرار رقم 2014 بتاريخ /7/2006م، وتم استلام القصر من مديرية التربية والتعليم بالقاهرة في 21/7/2006م. وقبل استلام القصر شكل حواس لجنة بالقرار رقم 1743 بتاريخ 12/6/2006م لمعاينة القصر وإبداء الرأي في مدى إمكانية تحويله إلى متحف من عدمه، رغم أن تقرير اللجنة قد أشار إلى عدم صلاحية القصر لأن يكون متحفا للآثار بسبب قربه من المتحف المصري بالتحرير، ولضيق الشوارع المؤدية إليه والمحيطة به. إلا أن حواس، وفي تحد صارخ، وقبل العرض على اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية المختصة بالبت في الموافقة على نزع الملكية من عدمه ودون وجود مبرر لنزع الملكية أشر على تقرير اللجنة "يقوم قطاع الآثار الإسلامية والقبطية فورا بشراء القصر على وجه السرعة. وتم مخاطبة الإدارة العامة للتثمين بالهيئة المصرية العامة للمساحة، وورد للمجلس الأعلى للآثار تقرير الاستشاري بتقدير القيمة المبدئية لتعويضات نزع ملكية قصر سعيد باشا حليم بمبلغ 60540000 (ستين مليونا وخمسمائة وأربعين ألف جنيه مصري) تحت العجز والزيادة، وتم مخاطبة قطاع التمويل بالمجلس الأعلى للآثار لتوفير المبلغ المطلوب لنزع الملكية، إلا أنه قد ورد خطاب قطاع التمويل بالمجلس الأعلى للآثار في 23/4/2008م يفيد بأن الاعتمادات المالية لا تسمح بالخصم للمبلغ المطلوب. وفي 13/1/2009م صدر قرار اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية بالموافقة على نزع الملكية نظرا لتفرد القصر، أما من الناحية الوظيفية فتقوم اللجان المختصة بدراسة توظيفه، ثم جاء الرأي الصادم للدكتور زاهي حواس وهو رأي المستشار القانوني في 24/2/2009م بإرجاء القرار الخاص بتشكيل اللجنة الخاصة بالتفاوض على شراء القصر لعدم توافر المبررات الحقيقية لنزع الملكية، ولعدم وجود اعتماد مالي كاف وفقا لإفادة قطاع التمويل، الأمر الذي يرى معه عدم كفاية المبررات المعروضة لنزع الملكية والاكتفاء بكونه أثرا مسجلا. وبعد عام كامل من النضال من أجل إيقاف إجراءات نزع الملكية، أصر الدكتور زاهي حواس إصرارا عجيبا على السير في الإجراءات، وأصدرت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية بجلستها بتاريخ 18/3/2009م قراراها بالموافقة على إلغاء قرار اللجنة الدائمة بنزع ملكية القصر. ولكن لن يمر الأمر هكذا، فلابد من إحدى الحسنيين، إما التعويض المالي الضخم، وإما استلام المالك رشاد عثمان للقصر بعد أن تم إخلاء المدرسة، وعليه فقد تقدم رشاد عثمان بطلب للمجلس الأعلى للآثار لتسليمه القصر بناء على حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 38992 لسنة 60ق، وقام السيد زاهي حواس بتشكيل لجنة بالقرار رقم 1892 بتاريخ 17/6/2009م لتنفيذ الحكم وتسليم المالك رشاد عثمان للقصر وبالفعل تم التسليم في 17/8/2009م. الدكتور محمد فوزي، رئيس قطاع الآثار الإسلامية بوزارة الآثار، قال: إنه طبقا للقانون يحق لوزارة الآثار انتزاع ملكية القصور والآثار الخاصة، ولكن يتطلب الأمر دفع ثمن لمالكه، ولكن الآثار تعانى الآن من أزمة فى الموارد، لذلك يتم تأجيل كافة إجراءات انتزاع الملكية فى الفترة الحالية، وهو نفس الأمر بالنسبة للترميم، حيث قانون حماية الآثار يكلف الآثار بترميم المبانى الأثرية المسجلة ذات الملكية الخاصة طالما أن مالكها لم يكن طرفا في الضرر الواقع عليها، وأما إن كان الضرر بسبب سوء استخدام من المالك فعليه تحمل تكلفة الترميم. وبسؤاله حول إمكانية إقامة مشروع ترميم أو استثمار بشركة بين الآثار ورجل الأعمال، أشار فوزي أن الدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار، أمر منذ توليه الوزارة بحصر كافة الآثار التى تخضع لإشراف الوزارة سواء كانت تابعة للدولة أو ملكية خاصة، لدراسة إمكانية إقامة مشاريع للاستفادة منها وللمحافظة عليها. مخالفة قانون حماية الآثار يشير القانون إلى أن ترك المبنى على الحالة التى أصبح عليها يعد مخالفة لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، حيث تنص المادة الأولى من القانون على "يعد أثرا كل عقار أو منقول متى توافرت فيه الشروط الآتية: - أن يكون نتاجا للحضارة المصرية أو الحضارات المتعاقبة أو نتاجا للفنون أو العلوم أو الآداب أو الأديان التي قامت على أرض مصر منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى ما قبل مائة عام. -أن يكون ذا قيمة أثرية أو فنية أو أهمية تاريخية باعتباره مظهرا من مظاهر الحضارة المصرية أو غيرها من الحضارات الأخرى التي قامت على أرض مصر. -أن يكون الأثر قد أنتج أو نشأ على أرض مصر أو له صلة تاريخية بها. كما نصت المادة الرابعة من القانون على أنه: "المباني الأثرية، هي تلك التي سجلت بمقتضى قرارات أو أوامر سابقة على العمل بهذا القانون أو التي يصدربتسجيلها قرار باعتبارها أثرا وفقا لأحكام هذا القانون". فيما نصت المادة الخامسة من قانون حماية الآثار على أن: "مع مراعاة حكم المادة 30 من هذا القانون، يختص المجلس دون غيره بشئون الآثار، وكل ما يتعلق بها، سواء كانت في متاحفه أو مخازنه وفي المواقع والمناطق الأثرية أو فوق سطح الأرض أو في باطنها أو في المياه الداخلية أو الإقليمية المصرية أو أي أثر عثر عليه بطريق المصادفة، وكذلك البحث والتنقيب في الأراضي حتى لو كانت مملوكة للغير, أو أي نشاط ثقافي أو سياحي أو دعائي أو ترويجي يتعلق بشئون الآثار يقام على المواقع الأثرية أو في داخل حرم الأثر. وتنص المادة 12 من نفس القانون على: يتم تسجيل الآثار بقرار من الوزير المختص بشئون الثقافة بناء على اقتراح مجلس إدارة الهيئة، ويعلن القرار الصادر بتسجيل الأثر العقاري إلى مالكة أو المكلف باسمه بالطريق الإداري و ينشر في الوقائع المصرية ويؤشر بذلك على هامش تسجيل العقار في الشهر العقاري". وطبقا لنص المادة 32 من نفس القانون "يختص المجلس دون غيره بأعمال الصيانة والترميم اللازمة لجميع الآثار والمواقع والمناطق الأثرية والمباني التاريخية المسجلة. ويتحمل المجلس نفقات ترميم المباني التاريخية المسجلة التي في حيازة الأفراد والهيئات الأخرى ما لم يكن سبب الترميم قد نشأ عن سوء استعمال من الحائز حسبما تقرره اللجنة الدائمة المختصة، وفي هذه الحالة يتحمل الحائز قيمة مصاريف الترميم.