بين الاكتفاء الذاتي للقمح وتقليل الفجوة الغذائية منه، تعالت أصوات الوزراء المتتالين على وزارة الزراعة، فمنهم من وعد بالوصول إلى الاكتفاء الذاتي خلال ثلاث سنوات فقط وأخذ يتوسع في زراعة الفراولة والكنتلوب على حساب المساحات المخصصه لزراعة القمح، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل صدرت مصر أصنافًا من القمح عالية الجودة (مصر1 – مصر2)، وتضاءلت الأصوات التي تنادي بالاكتفاء الذاتي، وبدأ المسئولون يقنعون الشعب بأن الاكتفاء رابع المستحيلات، وكل ما نستطيع فعله تقليل الفجوة الغذائية منه. من جانبه أكد الدكتور نادر نور الدين، أستاذ زراعة القاهرة وخبير الأمن الغذائي ل"البديل" أن مصر تعد أكبر بلد مستورد للقمح في العالم، حيث يبلغ ما نستورده من القمح 5،8 مليون طن سنويًّا، وننتج محليًّا حوالي 5،5 مليون طن ويتم زراعة حوالي 5،2 مليون فدان من القمح، حيث يبلغ دعم رغيف الخبز في مصر حاليًا أكثر من 9 مليار جنيه. وأوضح أن المساحات التي تزرع بالقمح سنويًّا في مصر تتراوح بين 2.5 – 3 ملايينن فدان – ولكن المتوسط العام لمساحات زراعات القمح في مصر لم تتجاوز 2.5 مليون فدان خلال السنوات الست الماضية، رغم مبالغة المسئولين في وزارة الزراعة، قائلًا: "والغريب في الأمر أن الثروة الحيوانية في مصر لا تتجاوز 8 ملايين رأس من الماشية ونزرع لها 3.5 مليون فدان، في حين أن تعداد البشر في مصر 85 مليون نسمة ونزرع لهم 2.5 مليون فدان بالقمح فقط ،وبذلك تكون إنتاجية مصر من القمح لمساحة 2.5 مليون فدان، يتراوح بين التقدير النظري لوزارة الزراعة 6.75 مليون طن، وطبقًا لتقديراتنا العلمية لمتوسط إنتاجية 15 أردبًا للفدان 5.6 مليون طن سنويًّا، وهو الأقرب للواقع طبقًا لكميات القمح التي استوردناها خلال السنوات الثلاث الماضية والتي تراوحت بين 10 إلى 10.5 مليون طن سنويًّا. ولفت خبير إلى أن استهلاك الفرد في مصر من القمح 175 كجم، أقل من استهلاك الفرد من القمح في المغرب والذي يصل إلى 220 كجم بما يؤكد عدم صحة ادعاءات المسئولين بأن استهلاك الفرد في مصر من القمح الأعلى في العالم، علمًا بأن متوسط استهلاك الفرد في العالم من الحبوب يصل إلى 165 كجم سنويًّا، ونحن في مصر لا نأكل الشعير ولا الذرة وبالتالي فإن استهلاكنا قريب جدًّا من المتوسط العالمي للدول النامية والفقيرة، وبذلك تكون احتياجات 85 مليون مصري من القمح نحو 15 مليون طن سنويًّا، بزيادة مليون طن عن التقدير المصري السابق عندما كان عدد السكان أقل من 80 مليون نسمة والمقدرة بنحو 14 مليون طن سنويًّا ،مضيفًا أن الفدان في مصر طبقًا لتقديرات وزارة الزراعة ينتج نحو 18 أردبًا (2.7 طن للفدان) (ونجزم علميًّا بأن متوسط الإنتاجية في مصر لا يتجاوز 15 أردبًا فقط أي نحو 2.25 طن فقط للفدان، وبذلك نختلف عن تقديرات وزارة الزراعة التي تبالغ في المتوسط العام للإنتاجية كمتوسط عام لجميع أنواع الأراضي الخصبة والضعيفة والصحراوية والمالحة والرملية وأراضي الواحات والزراعات المطرية. وأشار إلى المساحة اللازمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل من القمح، طبقًا لتقديرات وزارة الزراعة في إنتاجية 2.7 طن للفدان، وبذلك نحتاج لإنتاج 15 مليون طن من القمح ولن يتأتى ذلك إلَّا بزراعة نحو 5.5 مليون فدان، على حساب البرسيم والثروة الحيوانية وباقي المحاصيل الشتوية من فول وعدس وبنجر سكر وشعير، بالإضافة إلى تأخير المشروعات القومية، قائلًا: إنه يمكن تدبير مليون فدان منها في زمام ترعة امتداد ترعة الحمام بالساحل الشمالي الغربي والتي وصلت إلى مدينة الضبعة بزمام 330 ألف فدان ولكن لم تطلق المياه فيها حتى الآن، بالإضافة إلى ذلك تزاد المساحة المزروعة بالقمح في الأراضي القديمة في الوادي والدلتا إلى 3.5 مليون فدان سنويًّا، بالإضافة إلى بعض مساحات شمال سيناء بزمام ترعة الشيخ جابر وبعض أراضي محافظة الوادي الجديد (إجمالي مساحتها 2 مليون فدان في الواحات) لتصل إجمالي المساحة المزروعة إلى 4.5 مليون فدان تحقق إكتفاء ذاتيًّا يصل إلى 82% من إجمالي احتياجاتنا من القمح (12.15 مليون طن من القمح) وبالتالي يسهل استيراد الباقي من الأسواق العالمية (أقل من 3 مليون طن.( فيما أكد جمعة الجندي، الفلاح الفصيح، أن الحكومة من تسببت في تقلص مساحة القمح؛ لأن سياستها التسعيرية غير واضحة، ولا تعلن على سعر تسلم القمح قبل زراعته بمدة كافية بل تعلن قبله بخمسة عشر يومًا، وهو غير مقبول؛ لأنها لا تعطي وقتًا كافيًا للمزارع ليتخذ قراره بزراعة أرضه قمحًا أم بمحصول آخر، لافتًا إلى أنه من الأفضل إعلان سعر القمح للموسم الجديد بنهاية الموسم الحالي، موضحًا أنه على الدولة أن تفرض على كبار المستثمرين الذين يمتلكون آلاف الأفدنة المستصلحة بالصحراء كالصالحية تخصيص ثلث تلك المساحة لزراعة القمح، حيث إن تكلفة الإنتاج في هذه المناطق أقل من الدلتا لاستخدام الميكنة في عمليات الزراعة والحصاد. وأوضح أنه يجب تغيير منظومة التخزين المتبعة حاليًا، والتي تهدر آلاف الأطنان من المحصول، فلابد من أن يتم استبدال الشون الترابية بالصوامع لحماية المحصول من التلف، وجعله عرضة للطيور والحشرات، بخلاف فساده لتعرضه للأمطار التي ترفع به نسبة الرطوبة التي تصيبه بالعفن والتوكسينات السامة، لافتًا إلى أن ارتفاع الأسعار التسويقية للخضار وقصر مدة زراعته بالتربة جعلته منافسًا شرسًا للقمح، ولذلك يجب وضع منظومة تسويقية متكاملة وواضحة للقمح، حتى يتثنى للفلاح المفاضلة بين زراعته القمح والمحاصيل الأخرى.