"علشان حريتنا .. لازم نزرع أرضنا" .. شعار رفعه المصريون، فى الفترة الأخيرة مع أحداث "ثورة 25 يناير". ودعا المواطنون إلي الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الرئيسية التى يستهلكنوها، وعلى رأسها القمح والفول والمحاصيل السكرية، معللين ذلك بأن امتلاك مصدر الغذاء هو السبيل الوحيد إلى الحرية الدائمة. وصادفت هذه الدعوة، قبولا واستحسانا عند بعض خبراء الزراعة، الذين أكدوا إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية فى فترة زمنية أقصاها 5 سنوات، فيما استبعد آخرون الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، بل وأكدوا أن هناك استحالة فى تحقيق ذلك. بين الإثنين يقف فريق ثالث مؤكدا أننا لسنا فى حاجة، من الأساس، إلى الوصول للاكتفاء الذاتي من المحاصيل الرئيسية ، ويكفى رفع إنتاجية المحصول إضافة إلى الاستيراد. يأتي القمح على رأس قائمة المحاصيل التى يطالب المصريون بالوصول إلى الاكتفاء الذاتي منها، خاصة أن المصريين يستهلكون أكثر من 14,5 مليون طن من القمح سنويا، ولاينتجون سوى 8,5 مليون طن، ويستوردون 7,5 مليون طن. ويقدر نصيب الفرد من القمح فى مصر ب 137 كيلو سنويا، علما بأن المتوسط العالمي للفرد 67 كيلو فى السنة ، طبقا ل "مصدر بحثي" ،طلب عدم ذكر اسمه، ولفت المصدر إلي أن الوضع ليس أفضل بالنسبة لمحصول الفول الذي يستهلك المصريون منه سنويا أكثر من 800 ألف طن ، فى حين أن إنتاجه لايتجاوز ال 295 ألف طن ، وتصل نسبة الاستيراد منه إلى 80% أى أكثر من 600 ألف طن. ويشير "المصدر البحثي" إلى محصول القطن الذي تستهلك المغازل المحلية منه ما يقرب من 4 ملايين قنطار ، فى الوقت الذي لايتعدى إنتاجه 2,5 مليون قنطار ، ويتم استيراد باقي الكمية. وتنتج مصر حوالي مليون و 900 ألف طن من السكر "القصب والبنجر" ، ويستهلك المصريون ما يقرب من 2 مليون و720 ألف طن منه ، فى حين يصل حجم الاستيراد منه إلى مليون و 410 ألف طن ، طبقا للمصدر البحثي . يرى "المصدر" أن العائق فى عدم الوصول للاكتفاء الذاتي من تلك المحاصيل هي المياه والأراضى والاستثمارات ، مشيرا إلى ضرورة استصلاح مساحات كبيرة من الأرضي، واستكمال مشروع تطوير الري سواء كان تطوير الترع أو المساقي ، مضيفا أن هناك استهدافًا فعليًا. من الدولة لزيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح إلى 74% عام 2017 وحوالي 81%عام 2030 ، كما أنها تستهدف التوسع فى المساحة المزروعة إلى 3 ملايين و 750 ألف فدان عام 2017 بزيادة إنتاجية للفدان إلى 3,2 طن، و 4 ملايين وألفين فدان عام 2030، بزيادة إنتاجية تصل إلى 3,6 طن للفدان. كشف "المصدر" عن اتجاه الدولة لزيادة الاكتفاء الذاتي عن طريق خلط دقيق الذرة إلى القمح ، بنسبة 20% ذرة و 80% قمح ، وترشيد الاستهلاك، وخفض الفاقد من القمح فى المراحل المختلفة، والذى يصل حالياً إلى 1,6 مليون طن. وأضاف: "فى مشروع التطوير لابد من تسوية الأرض بالليزر، وزيادة الإنتاج فى نفس المساحة عن طريق التقاوي و الأسمدة" ، مؤكدا أننا لسنا فى حاجة إلى تحقيق اكتفاء بنسبة 100% فى أي من تلك المحاصيل ، موضحا "لو قررت أتوسع بشكل كبير جدا هيجي على حساب محاصيل أخرى مثل الفاكهة ، والفاكهة ربحها مرتفع جدا ، فممكن أزود نسبة الإنتاج ومن خلال عائد الفاكهة أستورد قمح ضعف الذي أحتاج إلى زراعته لأصل إلى 100% من الاكتفاء". في حين يؤكد الدكتور أسامة الشيمي ، رئيس قسم الإنتاج النباتي بكلية الزراعة، إمكانية الاكتفاء الذاتي من جميع المحاصيل سواء كانت قمح أو ذرة أوقصب أو غيرها باستخدام التكنولوجيا والعلوم الحديثة ، موضحا "نستطيع زيادة الإنتاجية والحصول على أصناف جديدة من نفس المحصول عالية الجودة دون الحاجة إلى زيادة مساحة الأراضي المزروعة " ، مشيرا إلى أن الأصناف الجديدة عالية الجودة لاتحتاج إلى كمية مياة كبيرة "يعني مثلا فدان الأرز يحتاج تقريبا إلى 7أمتار مكعب من المياة ، والأصناف الجديدة من محصول الأرز لاتحتاج إلى تلك الكمية لكن أقل منها كثيرا فتوفر المياه" ، مؤكدا أن الوصول إلى حالة الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الرئيسية لا تأتي على حساب المحاصيل الأخرى ، موضحا "لأن فى تلك الحالة لن نزود إلا مساحات بسيطة جدا ، مع زيادة إنتاج المساحة المزروعة فعليا بالتكنولوجيا لخلق أصناف جديدة من نفس المحصول ، يعنى الفدان إللى بينتج 5 أردب/طن سيعطى 10 أردب/طن"، مشيرا إلى أن الوصول إلى نسبة 100% من إنتاج المحاصيل الزراعية لايستغرق وقتا طويلا ، مابين 3 إلى 5 سنوات. ويوضح دكتور الشيمي سبب التأخر فى تحقيق هذا النوع من الاكتفاء أنه تعطيل سياسي وأن الكثير من الدراسات والأبحاث التى قام بها هو وزملائه فى هذا الشأن قد تم "ركنها على الرف" فى المرحلة السابقة ، قائلا"الآن الثورة فى كل شيء فى مصر، وبدأنا بالفعل عمل خطوات أنا وبعض زملائي قمنا ببحثها منذ سنوات على محصول القمح والأرز وخرجنا ببعض النتائج الأولية، وقريبا جدا سنخرج بأصناف جديدة أفضل وبإنتاجية أكبر بكثير". ويتفق معه الدكتور حسين منصور ، عميد كلية الزراعة، رئيس جهاز سلامة الغذاء بوزارة التجارة، فى أن الوضع الراهن من استيراد الكميات الأكبر من المحاصيل الزراعية وإنهيار زراعة بعض المحاصيل الأخرى راجع ،بالأساس، إلى سياسة المرحلة الماضية ، قائلا "المساحات الزراعية مازالت حتى الآن تتناقص نتيجة سياسة عقيمة، وعدم قيام الدولة بدورها لبناء طرق وخدمات فى الأراضى الصحراوية تمكن الناس من السكن فيها بدلا من البناء على الأراضى الزراعية" ، مضيفا أن ذلك مازال مستمرا حتى الآن، ومستبعدا فكرة الإكتفاء الذاتي من المحاصيل الأساسية، متابعا "مستحيل إننا نستطيع عمل اكتفاء ذاتي من هذه المحاصيل ، لكن من الممكن إننا نرفع معدل الإكتفاء لدرجة معقولة 70% مثلا، لأن مقومات الاكتفاء تبدأ بوجود أرض مستصلحة ، وفى حال تواجدها المزارع سيفضل زراعتها مانجة مش قمح ولا فول" ، موضحا "لإن فى مصر فيه دعم تصدير على الفاكهة والورد وغيرهم ، لكن لايوجد دعم على زراعات أساسية زى القمح والفول والقطن والعدس إللى بنستورد 90% من إستهلاكه، عكس كل الدول الأخرى التى تعطي دعم على الزراعات الرئيسية" ، مؤكدا أنه فى حال الرغبة إلى تحقيق هذا النوع من الإكتفاء لابد من إستقدام خبراء محترفين ، وإنشاء جمعيات تعاونية لصغار الفلاحين لتحديد نقاط العمل من توفير دعم والتحكم فى الأسعار وطرق توزيع المحصول، لافتا إلى أن خطة الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح إلى 74% عام 2017 وهمية لأن واضعيها لم يضعوا فى اعتبارهم احتمالية الزيادة السكانية والتى من الممكن أن تزيد 15 مليون نسمة فى هذا التاريخ ، قائلا "وخلال السنين الماضية لم يرتفع الاكتفاء من القمح بنسبة 1%" ، مشيرا إلى عدم تفاؤله فى الوقت الراهن لعدم وجود حدوث تحركات حقيقية على أرض الواقع فى هذا الصدد.