يحفل تاريخ السينما المصرية بنماذج لأفلام تم اقتباسها عن أعمال أخرى سواء عالمية أو محلية، مثل فيلم "أمير الظلام" لعادل إمام، المأخوذ عن الفيلم الأمريكيScent of a" Woman "لآل باتشينو، وفيلم "الحاسة السابعة" لأحمد الفيشاوي، المأخوذ عن فيلم "What Women Want" لميل جيبسون، والقائمة طويلة لعلآخرها سينمائيا فيلم "حلاوة روح" المأخوذ ربما للتطابق عن فيلم "مالينا" الإيطالي الشهير والرائع للفنانة الإيطالية مونيكا بيلوتشي، وإخراج جوزيبي تورناتوري، كما كان مسلسل "دهشة" ليحيى الفخراني، والكاتب عبد الرحيم كمال، والمخرج شادي الفخراني، الذي عرض مؤخرا في رمضان ولاقى نجاحا وإشادة واسعة مقتبسا عن مسرحية "الملك لير" لويليام شكسبير، وكتب ذلك بشكل واضح، بينما أضاف الكاتب أحداثا وخيوطا جديدة ونهاية مختلفة. ولم يكن بطل الفيلم الذي نتناوله وهو أحمد حلمي، بعيدا عن ذلك من قبل، فقد سبق واقتبس فيلمه "1000 مبروك" عن الفيلم الأمريكي "Groundhog Day" سنة 1993للمخرج هارولد راميس، وبطولة بيل موراي وأندي ماكدويل. وليس هناك مانع أن يأخذ الفن من بعضه وأن يقتبس شيئا من شيء، على أن يبني عليه ويقدمه تقديما جديدا، والأجمل أن يذكر ببساطة وشجاعة مصدر استيحاء الفكرة أو الاقتباس وإن كان جزئيا. ولا مشكلة في ذلك وإن لم يحبذ، ولكن تبقى المعالجة والتناول والصنعة الجيدة الأهم للخروج بجديد جيد، خاصة إذا كان الفيلم أو العمل يسمى "صنع في مصر" وهو الفيلم الذي يعرض حاليا في دور العرض لأحمد حلمي، وياسمين رئيس، ودلال عبد العزيز، وتأليف مصطفى محمد عبد العزيز، وإخراج عمرو سلامة، فرسالته الجيدة كانت لتكون أقوى وأكثر قيمة وتأثيرا لو أن صناعته جاءت مكتملة ومحلية تماما بدءا من الفكرة والتي تشابهت نوعا ما مع الفيلم الأمريكي"Ted"، والذي عرض قبل عامين في الولاياتالمتحدة وتصدر إيرادات السينما وقتها، وهو من بطولة مارك والبيرغ، وميلا كونيس، ومن إخراج سيث ماكفارلن، والذي يدور حول الطفل الوحيد "جون" الذي تمنى في صغره أمنية تحققت له وهو شاب وهي أن تصبح دميته الدب Tedشخصا حيا ناطقا، وهو ما حدث فصار Tedصديقا مرافقا له، وفي الحقيقة ليست هذه الحالة الأولى لهذه الفكرة، ففيلم Et"" حدث فيه ذلك لكن اقتران الأمنية والدب أبرزا المقارنة وإن كان المسار مختلفا، ولا نستنكر ذلك ولا البناء عليه إلا بالمقارنة باسم العمل وفكرة الصناعة المصرية. يدور فيلم "صنع في مصر" حول "علاء" الشخصية التي يؤديها أحمد حلمي، وهو شاب يدير محل ألعاب أو يجلس فيه بمعنى أصح، مستهتر شديد الكسل غير ناجح في عمله لا يأخذ الحياة بجدية، فيصفه الجميع بأنه فاشل بما فيهم أخته الصغيرة التي تطلب منه مرارا أن يصنع لها عرائس لمسرحيتها المدرسية التي تشارك فيها فلا ينفذ طلبها، فتغضب وتتمنى من الله أن يصبح أخوها دمية "دب الباندا" الموجود في المحل ويصبح الباندا أخوها، فتحدث صاعقة كهربائية وتتحقق الأمنية، فتصبح الباندا في جسد علاء ويصبح علاء في جسد دب الباندا، وبعد مواقف ومفارقات كوميدية يتعلم علاء في حالته الجديدة أشياء كثيرة تغيره، خاصة من خلال ما رآه من تعامل الباندا في جسده، وهنا تكمن الفكرة، فرغم الفارق في القدرات والخبرات بين إنسان وبين دب دمية لم يعتد التفكير ولا يعرف الكثير عن خبرات البشر ومعلومات الحياة إلا أنه استطاع أن يستفيد مما لديه جيدا ومما تعلمه ولو كان محدودا بتركيبته الصينية، فالفرق أنه يأخذ الحياة بشكل أكثر جدية وإن كان أبسط، استطاع أن يستفيد من الحكم الصينية التي يكررها، وأن يطبقها في حياته حتى وهو في جسد علاء، ومنها "لكل كائن سبب في وجوده ولو كان حبة رمل" وهي العبارة التي بدأ بها الفيلم على لسان الباندا، و"من طلب العلا سهر الليالي" وهي العبارة التي لم يفهم منها علاء سوى "علا" ابنة صاحب المحل الذي أمام محله التي يحبها وتراه أيضا فاشلا، وكذلك "النجاح ليس أن تخسر ولكن أن لا تنهض حين تقع"، فرغم عقليته الآلية لكنه يستفيد مما لديه ويكتسبه ويتعلم فتتطور عقليته عن طريق التجربة والخطأ والاستفادة من الخطأ، فكثير من الكلمات العامية التقطها من جهاز التلفاز في المحل حين كان باندا، كما تمكن من تحسين الوضع المالي للمحل، وبدلامن استيراده الدمى من الصين، قام هو بتصديره الدمى المصرية إليها، فقد أحسن استغلال ما يملكه علاء وهو المخزن القديم الذي تركه والده الذي كان يعشق العرائس ويجيد صنعها وعلم حرفتها لابنه لكنه أهملها وهو كل ما تبقى بعد سرقة المحل، فهو في الحقيقة يرمز للأصالة والجذور وأيضا العقل الذي يهمل كثيرا، فالباندا في جسد علاء لها عقلية تركز على العمل وقيمته وعدم الاستسلام للفشل مما يؤدي للنجاح ف"من جد وجد" كما كتب له زوج الأم الخطاط الكسول على قميصه. فنحن نكتب شعارات وهم ينفذونها، الفكرة جيدة جدا وهي الترويج للصناعة المحلية وتطويرها وعدم الاعتماد على الصناعة الصينية التي تغزونا، بل علينا فقط الاستفادة من الطريقة الصينية في التفكير والعمل، فهي فكرة متطورة جدا وتستحق الإشادة والاحترام، خاصة حين ركزت الكاميرا في أحد أجزاء الفيلم على كلمة "صنع في الصين" التي كتبت أسفل الدمى والتي استبدلت في النهاية بكلمة "صنع في مصر" بعدما التفت علاء لحرفة أبيه واستكمل طريقه. وبقدر جودة فكرة الفيلم واسمه إلا أن صناعته لم تكتمل، فبرغم طرافة الكثير من المواقف وخفة ظل أحمد حلمي المعروفة، كان الفيلم خامة جيدة لمزيد من المواقف الطريفة المبتكرة التي لم تستغل بشكل كاف، كما لم توظف الموسيقى جيدا لتصاحب وتبرز المواقف الكوميدية، ورغم جودة المونتاج كان الإيقاع بطيئا أو ناقص الحيوية يشعر به المشاهد، وجاء أداء أحمد حلمي الصوتي للباندا فاترا غير حي وغير حقيقي، ضعيف التعبير في نبراته والإحساس بالمكان وهو من أكبر مساوىء الفيلم. كذلك لم يتمكن المخرج من إضفاء جو الإبهار والحيوية المتاح لموضوع الفيلم، والخيال الذي يصاحب الفكرة والدمى، وإن كان بالفعل استطاع خلق البسمة، وكذلك لم تستخرج طاقة الطفلة "نور عثمان" التي عرفها الكثيرون بطفولتها وشقاوتها في برنامج "Arab`s got talent" فبدت منطفئة، ورغم جودة أداء ياسمين رئيس، إلا أنها لم تتمكن من إضفاء حضورها بقوة في دور علا، أما الدمى أو العرائس المصرية فكانت من أجمل ما في الفيلم بتصميمهاالفني الجذاب، وشخصياتها المتنوعة المحلية التي تمثلنا، وألوانها الجذابة والتي صممتها ونفذتها شركة Question Markبشكلمشرف يستحق التقدير.