عدة آلاف من الجنيهات تستطيع أن تستمتع بها عدة أيام في الساحل الشمالي، أما إذا كنت من علية القوم أو من الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة المصرية فسوف تكون من قاطني واحدة من جنات الله علي أرض مصر والتي سميناها بقري الساحل الشمالي، ولا أعرف المنطق الذي سميت علي أساسه هذه القطع الساحرة التي تنام وتسترخي علي البحر المتوسط بالقرى، فهي منتجعات تضاهي أجمل منتجعات العالم، ولا ينطبق عليها أبدا اسم قرية، ربما ان كلمة قرية اقرب للفهم المصري من كلمة منتجع، علي كل حال، هنا الساحل الشمالي، الذي ما ان تنطق باسمه وتقول أنك ذاهب الي الساحل الشمالي حتي ينظر لك الناس علي انك من طينة ومكانة وطبقة أخرى. كان آخر مانحلم به ونحن صغار أن نقضي أيام قليلة في جمصة أو راس البر، أو الإسكندرية، أما الساحل فلم يرد في أحلامنا الصغيرة، وكان ومازال من الأماكن المحرمة علي السواد الأعظم من المصريين الذين لا يملكون إلا الستر، وكما حدث في القاهرة وحدث في الجيزة ان استولت الرأسمالية المتوحشة علي كورنيش النيل وحولته إلي سفن قبيحة رابضة في مياهه لا يدخل إليها ويأكل ويشرب فيها إلا من لديهم القدرة علي دفع ما يساوي مرتب شهر كامل يتقاضاه خريج جامعة أو عامل أو موظف لقاء جلسة مسائية أو وجبة غداء أو عشاء، كما حدث في القاهرة وحرم المصريون من النهر، ولا ننسي أن أحد الوزراء حاول أن يردم النهر أمام فندق فاخر لولا يقظة المثقفين الذين حالوا دون ذلك، وأصبح الناس غرباء علي النهر، يتلصصون بنظرات محرومة الي مايدور في داخل السفن القبيحة، والذي حدث هنا، حد ث هناك أيضاً، في الساحل الشمالي، كل شيئ متاح ومباح لمن يملكون، الهواء النقي والأوكسجين الذي يملأ الرئة، والخضرة والوجه الحسن، تجدهم هنا يستمتعون بكل شيئ وتجد علامات المتعة تتجسد في كروش كبيرة، وتتجسد في أجسام ثقيلة ونظرات تلتهم مفاتن الصبايا اللاتي عرفن طريق شراء معالم الجمال الأوربي، وتتجسد في نفخة طبقية وإحساس بالقيمة الكاذبة التي تأتي من الملكية، ملكية كل شيئ، المال والجمال والهواء والبحر والسيارات ومالذ وطاب، بالطبع هذا الوصف لا ينطبق علي شريحة عريضة من الطبقة الوسطي وحتي من بعض شرائح ها الدنيا، والذين ربما يدخرون طوال العام من أجل عدة أيام في الساحل الشمالي. والي جانب كبار القوم المالكين لمتع الدنيا تجد طبقة كبيرة من الخدم والمساعدين والعمال النازحين من أطراف مصر، شباب فقير ومحروم ويحمل من المشاكل والهموم ما تستطيع ان تقرأه علي قسمات الوجه وكسر الروح وغلب السنين، كثيرون هنا يخدمون في القري ويعملون في كل شيئ وأي شيئ ، والصيف بالنسبة لهم موسم العمل وتحويشة العام . طبقتان، ربما أو أكثر، حياتان مختلفتان وعالمان ليس بينهما ما يجمعهما إلا المصلحة، عالم يرد أن يستمتع وآخر يريد أن يعمل ويتحايل علي الحياة حتي يواصل العيش رغم الحرمان، مجتمعان منفصلان، العالم الذي يملك في الساحل هو نفسه ربما. الذي يملك في كل مكان في مصر، هو نفسه ربما الذي يحرم الناس من متعة النيل في مصر ومتعة البحر في الساحل الشمالي، العالم الذي يملك ربما هو الذي يحكم أيضاً، ومن اجل الحكم والثروة والنفوذ والقيمة والمكانة والطبقة والفرصة الأوفر في الحياة المريحة يواصل الدور، دوره في حرمان الآخرين، الحرمان بالتنظير والتبرير، تنظير وتبرير باسم الدين وأن الله خلق الناس طبقات، وتنظير وتبرير وصنع تشريعات تخدم وتؤكد أوضاع من يملكون وأوضاع المحرومين، أوضاع التفرقة والعنصرية البغيضة والتمييز بين البشر علي أسس غير العمل الذي هو معيار القيمة ومعيار الإحساس بالمكانة.