لقد تحول العالم إلى دائرة من الإحباط وأظلتنا الأحداث اليومية بمسحة من كآبة قلما نجا منها صاحب عقل يفكر أو ضمير حى ، والحقيقة التى لا تقبل مجالا للشك أن ميراث البشرية الأكبر يمكن تلخيصة فى حلقات من العبث والإقتتال والسعى الدائم لإفناء الآخر أو استعباه وقهره، والقارئ فى سفر التاريخ البشرى سيدرك أن القوة دائما هى التى تحرك دفة الأحداث وأن الضعفاء المتهاونون يكون النسيان مآلهم والتجاهل نصيبهم فى حركة الزمان التى لا تتوقف ولا يخفت ضجيجها من جيل إلى جيل. ولما كنت قد قدر لى أن أولد فى سبعينيات القرن الماضى فلقد انتميت إلى جيل تفتح وعيه ليجد نفسه يشهد أسوأ مراحل تمر بها مصر، جيل عايش الضعف والتفكك وغياب الرؤية، جيل شاهد كيف أسلمنا أمرنا لمن لا يقدرون حجم مصر وتاريخها وأهمية دورها فى مسيرة الوجود الإنسانى، كان نصيبنا نحن أبناء السبعينيات قدرا ضئيلا من المعرفة وسط شلالات من مناهج دراسية عقيمة تم حشو رؤوسنا بها بعدما تركنا مسئولية بناء العقول لمن لا عقول لهم، كان قدرنا أن يتشكل وعى الكثيرين منا على ثقافة التبعية وعلى الحلم بالنموذج الغربى، خاصة الأمريكى، واحتقار هويتنا والرضى بالانبطاح والتبعية، لقد تربينا وسط نهم الانفتاح الاقتصادى البغيض وتسللت عدواه إلى أرواح الكثيرين منا، خاصة وأننا قد شببنا فلم نجد ثمة أسرة ولا مجتمع، فقط كان اللهاث خلف الكم فتوارى الكيف وساد القبح وعم التشوه ،لكن وسط ذلك كله كان ثمة أناس تعلقوا بأهداب الأمل وأخلصوا فى حلمهم لأوطانهم وظلوا يبشرون بغد أفضل واستبسلوا فى التمهيد له. وحين دلف جيلى إلى أربعينية عمره، وكان يحمل بين جنبيه همم مثبطة وأحلام موؤدة، ما كان لأكثرنا امتلاك لمخيلة خصبة أن يتصور احتمال إسقاط دولة مبارك البوليسية والقضاء على سيناريو التوريث الذى كان يسعى النظام لفرضه، لكن القابضون على جمر الأمل هم وحدهم الذين لم يتسلل اليأس إليهم ولطالما بشروا بهذا اليوم، وشهدت مصر مولد جيل جديد تحدد ملامحه فى 25 يناير 2011 ثم تأكدت قوته فيما بعد عندما أطاحوا بفاشية دولة المرشد فى 30 يونية 2013، وافتضح أمر من عاشوا فى وهم امتلاك الحقيقة وسعوا لتشوية التراث ومسخه. ولولا بصيص من أمل ما تقدمنا خطوة للأمام، ولو تخلينا عن هذا الأمل فسنكتب على أنفسنا العيش فى متاهة من إحباط مظلم ويأس كئيب، إن الواقع مؤلم بلا شك والظرف معقد بلا جدال، لكن الاستسلام سيكون خيانة، وإنا لقادرون على عزف لحن جديد محكم فى سيمفونية هذه الحياة، وعلينا أن نضع أيدينا على مواطن القوة فينا فنعظمها، وأن نبحث عن أسباب الضعف فنحولها لقوة، إن الطريق طويل والأحلام كثيرة والآمال عريضة وإنا لقادرون على فعل المعجزات، إن أردنا، فبالأمل والعمل سنغير وجه الحياة وسنقطع الطريق على من يريد اختطاف ثمار عملنا، وسنخلق الشرط التاريخى الذى يمكن الأجيال القادمة من أن تحيا معتزة بهويتها مؤمنة بأهميتها وبدورها فى حركة الحياة الإنسانية.