لم أتردد كثيراً فى وصف المشهد السياسى العام بصفة "المسخرة"، والتى مما يبعث على الأسى والأسف ماتزال مستمرة. ومن تجليات هذه المسخرة العديدة: وإضافة لما ترتكبه جماعة " داعش " فى العراق من خطايا وحماقات, كانت مهلتها الأخيرة للإخوة المسيحيين فى الموصل بمغادرة وطنهم, ومصادرة ممتلكاتهم، إذا لم يعتنقوا الإسلام!!. وللعار, لم يحرك أحد ساكناً, سواء فى العراق, أو خارجه. والتساؤل: ماذا فعل هؤلاء لكى ينالهم هذا العقاب المآسوى؟!. وتمتد هذه التجليات بالطبع لتنال مجمل المواقف من تواصل العدوان الصهيونى على شعبنا العربى فى فلسطينالمحتلة, وتخاذل الموقف العربى بهذا الخصوص. وكان التساؤل الملح: أليست فلسطين وشعبها بلداً عربياً تنطبق عليه اتفاقات الدفاع العربى المشترك؟ أليس ما يدور فيها يهدد فى الصميم الأمن العربى المشترك ؟؟ وعلى الصعيد المصرى, كانت الإجابة المنطقية: فتش عن إتفاقية العار, المعروفة "بكامب دايفيد"!!, وما تضمنته من بنود وملاحق سرية, خاصة أنها اعتبرت مصر ليست "طرفاً" فى أى نزاع ينشب مع أى دولة عربية أخرى, وتحرم, بل تمنع مصر من المشاركة, وتضع كثيراً من العقوبات عليها إذا ما فكرت بهذا الشأن, بل حملت مصر مسئولية حماية أمن الكيان الصهيونى من أى تهديدات يمكن أن تلحق به!!. ومما له صلة, نجد على الأقل من سياق ذلك تفسيراً لماذا منعت السلطات المصرية "القوافل البشرية" من الوصول لغزة, فى الوقت الذى سمحت فيه لبعض قوافل المعونات والإغاثة من العبور!! وتطوعت خلايا التطبيع, المعلنة والنائمة, على حد سواء, وتبارت فى التحذير من مغبة الإندفاع فى مواجهة غير محسوبة مع الكيان الصهيونى. ففى الوقت الذى اعلنت فيه دول, بالطبع غير عربية, مثل تشيلى والأكوادور قطع علاقاتها الدبلوماسية مع "إسرائيل", خابت أطروحاتهم, حيث لم تعلن دولة الكيان الصهيونى الحرب على هذه الدول!!. وفى هذا السياق, تتحمل مصر الدور الأكبر, كما كانت دوماً, فى تيسيير وصول الدعم, سواء الطبى أو خلافه, للشعب الفلسطينى كافة, وعليها أن تضع كافة الأطراف المعنية أمام المسئولية أمام شعبها, بما فى ذلك حركة "حماس" والكيان الصهيونى، حتى ان تولت مصر وضع المعابر تحت حماية دولية وليس فقط معبر "رفح" تيسييراً على حياة الشعب الفلسطينى ودعماً لصموده فى مواجهة هذا العدوان الوحشى البربرى ضد شعب أعزل واقع تحت الاحتلال المباشر من الكيان الصهيونى, وعدم المساعدة فى تهربه من كافة مسئولياته المعترف بها دولياً وقانونياً . فالحظة التاريحية المصيرية لا تسمح لطرف ما أن يجنى مكاسب خاصة على حساب أرواح ودماء هذا الشعب, وألا يكون لعبة فى البورصة السياسية لصالح هذا الطرف او ذاك. ومما له صلة أيضاً , يتوجب على كافة السلطات, ليس فى مصر وحدها, بل فى عموم الوطن العربى, عدم حرمان شعوبها من التعبير عن تضامنها ودعمها للشعب العربى الفلسطينى, وزيادة قوة صلابته, وعدم كسر إرادته, وهذا هو المستهدف من توالى العدوان عليه لجبره على القبول بتسوية مذلة ومهينة تنتقص من كافة حقوقه العادلة والمشروعة وغير القابلة للتصرف. ومعنى ذلك, لا يملك أحد, تحت أى تسمية, الجهر بقبول هذا التسوية, أو التعاطى معها, بدعوى الواقعية أو خلل موازين القوى. فالشعب الفلسطينى, وكافة قواه المقاومة مستمر فى الدفاع عن كل حقوقه المشروعة والعادلة ولم يقدم كل هذا النهر من الدماء والأرواح عبر مسيرة صراعه الوجودى مع العصابات الصهيونية, الإ من أجل أن ينال هذه الحقوق فى نهاية المطاف, ومازال لديه الكثير يقدمه مهما طال السفر. ولقد أوضحت المواجهة الأخيرة والمستمرة, بجلاء ووضوح, أهمية تدارس معاهدة الخزى والعار, "كامب ديفيد" وما تضمنته من قيود والتزامات, تحد من السيادة المصرية ، ومن دورها الهام تجاه محيطها، مما يفرض تدارس أفضل السبل المتاحة لإلغاء هذه المعاهدة , أو تعديلها لمصلحة السيادة والأمن المصرى، خاصة بعد إنقضاء الفترة الزمنية التى تتيح ذلك، وأن يصبح هذا الهدف، هو العامل المشترك لكافة القوى الوطنية، ومناشدة القوى والشعوب الصديقة للوقوف خلف دعم هذا المطلب الهام والملح، وتجاوز كافة الخلافات فى سبيل تحقيق هذا المطلب ، الذى يتوجب أن يكون على رأس قائمة الأولويات منذ هذه اللحظة الهامة فى تاريخ مصر وأمتها العربية: فهل يتداعى الجميع لذلك، وقبل فوات الآوان؟ هذا هو سؤال اللحظة والتحدى والمصير.