رغم ندرة ما ترك من تسجيلات، وبعد 64 عاما علي رحيله، ما يزال صوته أعذب الأصوات.. الشيخ محمد رفعت، علامة قدوم شهر رمضان المبارك، آذان المغرب بصوت الشيخ رفعت الشجي هو رمضان مصر، يملأ القلب بالخشوع ويلهم الروح، فصوته السماوي جزء أصيل من روحانية المناخ العام لشهر رمضان في مصر. الشيخ رفعت (9 مايو 1882- 9 مايو 1950)، منحه عشاق صوته الساحر العديد من الألقاب منها قيثارة السماء، سيد قُراء الزمان، الصوت الذهبي، سوط عذاب وصوت رحمة، فيما تباري نقاد الموسيقي في وصف مميزاته وقال الناقد كمال النجمي إنه يمتلك مساحة موسيقية هائلة تضم 21 مقاما موسيقيا؛ كان الشيخ يوظفها، ويطوع صوته للوصول إلى المعاني والمقاصد في تلاوته وقال عنه الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كان عاشقا لصوته، حريصا علي مصاحبته إنه صوت ملائكي يأتي من السماء. ولد الشيخ محمد رفعت في حي"المغربلين" بالدرب الأحمر بالقاهرة، بدأ حفظ القران في سن الخامسة في كتاب مسجد فاضل باشا ب"درب الجماميز"وأتم حفظه وتجويده قبل العاشرة. رحل والده مأمور قسم الخليفة وهو في التاسعة من عمره وصارمسؤلا عن عائلته، فبدأ في قراءة القرآن في مسجد فاضل باشا وعُيِّن في سن الخامسة عشرة قارئًا للسورة في صلاة الجمعة، ومنه انطلقت شهرته وذاع صيت صوته العذب، وظل الشيخ يتلوالقرآن ثلاثين عاما فيه وفاء للمسجد الذي تعلم وبدأت شهرته فيه. آمن الشيخ الجليل بقدسية دوره في مهمة إيصال معاني القرآن من خلال صوته، واهتم بصقل عبقرية صوته بدراسة المقامات الموسيقية والاستماع للموسيقي العالمية، وازداد علما بدراسة القراءات المختلفة للقرآن والتفاسير؛ لذلك حملت تلاوته هذا التأثير الكبير علي المستمع، ليس فقط لحلاوة الصوت وإنما أيضا لخشوعه وقدرته علي تحميل الكلمات بمعانيها كأنه يفسرها وإلمامه بقواعد المقامات الموسيقية والتنقل فيما بينها. مع إدراكه قيمة صوته النادر تمتع بعزة النفس وسلام الروح والرحمة وعرف الابتلاء بالمرض منذ طفولته الأولى، فأصيب بفقدان البصر في الثانية من عمره، وفي أوج شهرته حين صار صوته معجزة حية تأسر القلوب وتهديها، أصيب باحتباس الصوت عام 1943 أثناء تلاوته سورة الكهف نتيجة إصابته بسرطان الحنجرة الذي عرف حينها بالفواق أو الزغطة، وتتالت عليه الأمراض، فاعتزل الناس؛ ورغم رقة حاله حيث لم يسع طوال حياته للارتزاق من التلاوة رفض عروض المساعدة في العلاج رغم الدعوات في الصحافة للاكتتاب لعلاجه ومبادرات محبيه، إلا أنه رفضها جميعا قائلا: «قارئ القران لا يهان». ومن سوء الحظ انه لم يصلنا الكثير من تسجيلات الشيخ رفعت رغم أنه أول من قرأ القرآن الكريم في الإذاعة المصرية عام 1934، وكان يقرأ علي الهواء يومان في الأسبوع، فيما تندر تسجيلاته التي تعرضت للتلف واهتمت هيئة الإذاعة بعد ثورة يوليو1952 بترميم تراث الشيخ رفعت في الإذاعة بصوت الشيخ الجليل أبو العينين شعيشع لاستكمال حروف وأحيانا كلمات وآيات في أجزاء من التسجيلات.