من أبرز الظواهر فى المشهد السياسى المصرى منذ عقود مضت، وربما أكثر، هو تقديم بعض الحلول لمشاكل حياتية مهمة، وهذا أمر قد يبدو فى الظاهر مستحباً، بيد أن ما يكون، خاصة فى واقع الممارسة والتطبيق، غير مستحب، هو استسهال هذه الحلول دون دراسة وافية وكافية، من كافة زوايا الصورة وأبعادها، وتوقع ما سوف ينجم من معضلات ومشاكل فى الممارسة والتطبيق الفعلى، وتقديم الحلول الممكنة لمعالجة أوجه خلل التطبيق، سواء فى صورة قوانين منظمة للعلاقة بين أطرافها، أو اجراءات فورية وعاجلة لتدارك العيوب والثغرات المتاحة رغبة فى شعور الجميع بالراحة والأمان، دون مجاملة طرف على حساب آخر. فى هذا السياق، ولكون البحث عن مآوى أدمى لكثير من الأسر، أو من يرغبون فى تكوين آسر، من الحقوق الأساسية للإنسان ، ونتيجة الخلل الفادح بين الطلب والعرض ، خاصة مع انتشار " ظاهرة خلو الرجل " ، أصبح الحصول على شقة أمراً يكاد يكون مستحيلاً، ناهيك عن الارتفاع الجنونى فى أسعار شقق التمليك، تفاقمت الأزمة وباتت صداعاً يؤرق الكثيرين . واضافة لمشكلة الشقق ذات الايجار القديم وما نجم عنها من سوء تقدير وغبن يلحق المالك فى ضوء متغيرات الحياة وأعباء التواصل فى هذه الحياة. فى ظل كل ذلك، وغيره كثير ، ومع بدايات تراجع دور الدولة فى تلبية الحاجات الأساسية للمواطنين ، ونتيجة تزايد " ظاهرة الشقق المغلقة " نتيجة رغبة أصحاب العقارات لحجز هذه الشقق لأولادهم فى المستقبل، وقد يكون ذلك لسنوات عديدة ، مما ساهم فى تفاقم مشكلة السكن . وعليه استقبل الناس الحل المعروض لمواجهة تزايد هذه المشكلة، والذى أطلق عليه "الايجار الجديد"، والذى يتمثل فى تحفيز المواطنين من ملاك العقارات للتأجير بأسعار هى أفضل من العقارات القديمة . وفى البداية، كان تقبل هذا الحل، وبدأت العجلة فى الدوران، وتشجع الملاك فى توفير شقق للايجار بعد أن كانت مغلقة ، ومن باب أولى تحفيز عمليات البناء فى ضوء هذا الواقع الجديد . بيد أنه وبعد عدة سنوات تتراوح ما بين خمس وسبع سنوات، هى مدة التعاقد، بدأت تظهر عورات هذه الظاهرة، خاصة مع عدم تدخل الدولة فى وضع ضوابط وأسس العلاقة بين المالك والمستأجر، أو تشكيل لجان لتحديد القيمة الايجارية، مراعية فى ذلك مساحة الشقة، وموقعها، وحالتها للسكن الفورى، والنسبة المئوية لتجديد التعاقد، وغيرها . وفى الحقيقة، تركت الحبل على الغارب لمصلحة المالك، لاسيما فى غياب أى قانون أو ضوابط ، فراح يحدد وحده، القيمة الايجارية، وعلى المستأجر القبول بما حدده، أو ترك المسكن . وفى ضوء مشاهداتى، على سبيل المثال لا الحصر، فثمة شقة أقل ما توصف به أنها كانت مهجورة لعدة سنوات لاتصلح مطلقاً للسكن ، ولا تزيد مساحتها عن 70 متراً مربعاً ، تعاقد عليها مستأجر، وانفق فى سبيل ذلك اكثر من 15 ألف جنية لتكون جديرة يالسكن، تحملها وحده، وفى البداية، كانت القيمة الايجارية 200 جنية شهرياً فى بداية التعاقد، وبعد أقل من 15 عاماً وصلت هذه القيمة إلى الف جنية شهرياً ، قابلة للزيادة بالطبع . ناهيك عن فرض قيمة " تأمين " يحددها المالك، سواء عند بداية التعاقد ، أو مع كل تجديد ، غير مسجلة فى العقد ، وبالطبع غير قابلة للاسترداد، والتى أصبحت بمثابة " فردة " يضعها المالك ، هى فى الواقع اضافة جديدة للزيادة فى القيمة الايجارية. على الجانب المقابل، ونتيجة ارتفاع قيمة الايجار الجديد، عمل وتعمد ملاك العقارات القديمة على خلق مشكلات عديدة للمستأجرين، خاصة فى الحالات التى يكون صاحب العقار مقيماً فيها، وأحياناً بعض اولاده، رغبة فى " تطفيش " السكان القدامى، بطرق عديدة، الأمر الذى اصبحت فيه حياتهم لا تطاق . ولا تتوقف المشاكل عند حد تزايد القيمة الايجارية، بل أن بقاء المستأجر للعقار الجديد مدة لا تقل عن 15 سنة، وفى ضوء الخلل فى العرض والطلب، تبرز مشاكل خدمات أخرى، مثل " عداد النور " والهاتف، ومدارس الأولاد، القريبة من سكنهم ، ناهيك عن طبيعة ألفة وتعود المكان ، وكلها قضايا مهمة يصعب ايجاد حلول لها . وبات من المحتم ضرورة إعادة النظر فى هذه الظاهرة ووضع الاسس والضوابط لها، وعدم تركها فى يد طرف واحد ، وهو المالك ، يتحكم فى مصير أسرة بكاملها ، ويهدد استقرارها . وفى التحليل الأخير، اضافة لما سبق، على الدولة تيسير التوسع فى الاسكان التعاونى، بطرح أراضى البناء بحق الانتفاع لفترة زمنية يحددها الجهات المسئولة، لتكون القيمة الايجارية متاحة لذوى الدخول المحدودة، خاصة للشباب المقبل على تكوين اسرة، وتوفير مواد البناء لشركات المقاولات القائمة على التنفيذ، بل وحتى دعمها لزيادة كمية المعروض من الشقق لمواجهة الخلل الفادح بين العرض والطلب.