الواضح في خُطَب السيسي، سواء التي ألقاها في حفل تنصيبه، أو في المقابلات التلفزيونية أثناء حملته الانتخابية، المسائل الآتية: إصراره على إعادة الهيبة لوجود الدولة المصرية وسلطتها التي غابت في السنوات الأربع الماضية. تعهّده بمنع قيام قيادة موازية «تنازع الدولة هيبتها وسيادتها» وتأكيده أنّ «لمصر قيادة واحدة فقط». تنوّع علاقات مصر الدولية، وهذا تم التأكيد عليه في بداية ثورة 30 حزيران لدى قيام وزير خارجية مصر والسيسي بزيارة موسكو، وتأكيد السيسي في خطاب التنصيب أن «عهد التبعية ولّى». واضح أن هذا الجانب في السياسة المقبلة لعهد السيسي يعني مواجهة حازمة مع «الإخوان»، ورفض أيّ مفهوم للديمقراطية يفضي إلى إضعاف هيبة الدولة وخلق توازنات تؤثر في حرية السيسي في اتخاذ القرارات وأحادية قيادته لمصر، وهذا ما أشار إليه بصريح العبارة إذ قال «لمصر قيادة واحدة فقط». قضايا التنمية والتعددية الديمقراطية مثلما يراها الليبراليون والغرب وسياساته العربية والموقف من الهيمنة الغربية وانقسام العالم والمنطقة محورين ممانع ومقاوم ومحور آخر يسعى إلى الهيمنة وإحياء السيطرة الاستعمارية... فتلك القضايا لا تزال سياسات الرئيس السيسي غير واضحة إزاءها. لا شك في أن الأهداف التي عيّنها السيسي مترابطة، فإعادة هيبة الدولة، وأحادية القيادة في مصر أمر ممكن وقابل للتنفيذ، إذ يحظى السيسي بتأييد غالبية المواطنين المصريين الذين بات يمثل الأمن والاستقرار أولوية بالنسبة إليهم تتقدم على غيرها من مطالب، بما في ذلك توفير فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة، وتحقيق قدر أكبر من الحرية والديمقراطية، كما يحظى بدعم الجيش والمؤسسة الأمنية الشرطة والأمن المركزي ، إضافة إلى جهاز الدولة الذي أثبت أنه جهاز قوي وقادر على الفعل، وبخاصة الجسم القضائي. أما تنوع علاقات مصر الخارجية، وتحديداً مع الدول الكبرى، فهو أقرب إلى أن يكون إجراءً احترازياً خوفاً من تناقص الدعم الغربي لنظام الحكم الجديد في سياق حملته لإعادة هيبة الدولة ومكافحة نشوء أي قوة سياسية قادرة على منافسته للحفاظ على شعار «لمصر قيادة واحدة فقط»، ورفض قيام قيادة موازية أو منافسة له. فثمة قلق لدى السيسي أكدته مواقف الحكومات الغربية، وخصوصاً الإدارة الأميركية السنة الماضية، حول أن الغرب يسعى إلى منع قيام دولة قوية بحجة الحفاظ على الديمقراطية والتعددية، وإذا استجيب لطلبات الحكومات الغربية ورغباتها فإن الفوضى سوف تترسخ وتستمر عقوداً في مصر، وهذا خطر لا يوازيه أي خطر آخر، ولا يمكن صد مثل هذه التدخلات الغربية، القائمة والمتوقعة، إلاّ عبر سياسة التلويح بوجود بدائل للعلاقة مع الغرب، وفي هذا السياق يرد التأكيد المستمر على تنويع العلاقات الخارجية، ورفض التبعية لأي دولة، في إشارة إلى علاقات مصر في عهدي السادات ومبارك مع الولاياتالمتحدة. لكن الأمر المهمّ هو: هل تؤدي معركة السيسي إلى إعادة الهيبة إلى الدولة و«لمصر قيادة واحدة فقط» إلى قيام نظام جديد مستبد ووطني وعادل، على غرار نظام عبد الناصر في عقدي الستينات والخمسينات، أم إلى قيام نظام تابع وفاسد وديكتاتوري مثل نظام السادات ومبارك؟ سؤال وحدها الأيام المقبلة تأتينا بالجواب عنه.