جاء المتنبي إلى مصر تحدوه آمال كبرى فى أن يكون مقامه بها مغاير لعذاباته المتتابعة التى جلبتها عليه روحه النزقة، فهاله ما رأى، فلقد كانت مصر تحكم من قبل عبد معتوق، فى واحدة من حلقات حكم العبيد والخصيان لمصر، ووجد خيراتها العظيمة كانت تذهب إلى الطبقة المتنفذة، وهم فى الغالب كانوا من غير المصريين، وعزى ذلك لغفلة أهلها وصمتهم ولهذا شبه مصر بكرم العنب، وشبه أهلها بالحراس / النواطير فقال: (نامت نواطير مصر عن ثعالبها فقد بشمن وما تفنى العناقيد) إذن فلقد غفل الشعب (النواطير) عن حراسة البلاد (الكروم) فتسللت الثعالب وأكلت حتى كبرت كروشها (بشمت) وعلى الرغم من ذلك ما زالت الخيرات كثيرة، وهى عادة ستكون مطمعاً دائماً للثعالب القديمة. وغيرها من الثعالب المتربصة لغفلة الحراس ،كى تعيث فى البلاد فساداً ولكى تسيطر وتتحكم فيما كانت تتحكم فيه مسبقاً، ولا ضير فى أن تتسع رقعة سطوتها، ولا ضير كذلك فى أن تنضم إليها ثعالب جديدة كيما يستمر مسلسل الاستنزاف، فتزداد الثعالب سمنة بينما يزداد الشعب نحولاً. وحين نتأمل مجريات الأحداث فى الأربعين عاما الأخيرة سنجد أنها تحتاج لأن تكتب فيها دواوين كاملة على نهج ما كتبه أبو الطيب المتنبى، فلقد شهدت فترة حكم مبارك تغول الثعالب التى نمت فى ظل الانفتاح الساداتى البغيض، وتكونت دائرة شيطانية تقاسمت خيرات البلاد وتآمرت لإفقار المصريين وتجويعهم وسلب مقدراتهم، وشيئا فشيئا أصبحت العائلة المباركية هى التى تمتلك شفرات هذه الثعالب و تتحكم فى توزيع أنصبة الغنائم عليها ،ثم تتابع العبث حيث تم تسليم الكرم/ البلاد تسليما تاما للثعالب، مما ولد المزيد من الحنق، وتراكمت طبقات الغضب ثم انفجرت فى وجوههم فى 25 يناير 2011 ومزقهم الشعب شر ممزق ، وأسقط – أو هكذا ظن – دولتهم. لكن الثعالب القديمة التى ساءها أن تحرم مما كانت فيه، ظلت كامنة تتحين الفرصة السانحة للعودة من جديد، وكانت الموجة الثورية العظيمة فى 30 يونيه هى فرصتهم للظهور ثانية مستغلين روح التسامح لدى المصريين، وأيضا مستغلين الاصطفاف الوطنى ضد جماعة الإخوان الإرهابية التى كانت تسعى لتفكيك الدولة المصرية ولطمس هويتها، وللأسف الشديد نجد الآن أن هناك تحركا محموما من قبل هذه الثعالب للقفز على كفاح المصريين، وكأنما كتب علينا أن نقوم بثورات ثم نسلمها لمن يعبث بها، وكما اختطف الإخوان وتيارات اليمين المتطرف 25 يناير بدعم العم سام، فها هى الثعالب القديمة تسعى لاختطاف ثورة 30 يونية رغبة فى إعادة دولتهم التى سحقها الشعب من قبل. لقد انتصرت المؤسسة العسكرية ، وعلى رأسها المشير السيسى ، للإرادة الشعبية ودافعت عن الهوية المصرية يوم انحازت للجماهير، ومن العبث أن نترك هذا العمل الوطنى العظيم يلوث بترك مثل هؤلاء ينضوون الآن تحت مظلة المشير، كأركان لحملته الانتخابية وكأبواق له، وعلينا أن نمتلك من الشجاعة ما يجعلنا نعترف بالواقع ونسعى لتطهيره والقضاء على ثعالبة وفلوله والانتصار للثورة ومسارها.