الموساد رصد مليون دولار لتصفية مصطفى حافظ العمليات الفدائية التى قادها كانت تطول عمق إسرائيل بشكل يومى صدر قرار قبل اغتياله بتوليه المخابرات المصرية الصهاينة يطلقون النيران على صورته والفلسطينيون يكفنوها ويقرأون عليها الفاتحة 38 عاما مضت لتعلن إسرائيل بعدها مسؤوليتها عن اغتيال مصطفى حافظ الذى حمل ملفه فى الموساد اسم "الرجل الظل"، وفقا لما كشفه كتاب أعده "يوسي أرجمان" حمل اسم "سري جدا" صدر فى الكهيان الصيوني عام 1993. مصطفي حافظ أسطورة مصرية لا يعرف عنها المعاصرون الكثير، فهو رجل مصري من مدينة الإسكندرية التى يحمل أحد ميادينها اسمه الآن، وله نصب تذكاري فى غزة، تبارى الإسرائيليون لتحطيمه بعد هزيمة 1967، وتم اغتياله فى 1956 عن عمر يناهز 34 عامًا، تحول خلالها إلي شبح يقلق أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. ولد اليوزباشي مصطفي حافظ فى 25 ديسمبر 1920، وانتقل إلي إدارة الحاكم الإداري العام لغزة في يوليو 1948، والتي كانت تتبع مصر في إدارتها، وفي أكتوبر 48 عين حاكمًا لرفح، وفي نوفمبر من نفس العام عين مأمورًا لمركز القصير في البحر الأحمر. ورغم السنوات الطويلة التى قضاها "حافظ" فى الحرب ضد الكيان الصهيوني لم يستطع رجل واحد من المخابرات الإسرائيلية التقاط صوره له وسجل اليهود فى تحقيقاتهم مع الفدائيين الذين قبضوا عليهم انه رجل لطيف يثير الاهتمام والاحترام ومخيف فى مظهره وشخصيته. وكانت هناك روايات أسطورية عن هروبه من معتقل أسرى إسرائيلي عام 1949، فضلا عن سمعته التى تملأ أجواء الجيش المصري، بوصفه ليس مجرد ضابط محترف، لكنه خبير بالبشر والسياسة، وبعد قيام ثورة يوليو 1952 لم يكن هناك من هو أفضل منه ليقود المواجهة ضد العدوان الصهيوني الاستيطاني. في عام 1955 رقي "حافظ" لرتبة صاغ ثم مقدم وحضر بعدها اجتماعا سريا عقد في القاهرة برئاسة جمال عبد الناصر، تقرر فيه إنشاء كتيبة للأعمال الفدائية فى مواجهة الوحدة 101 التى شكلها أرئيل شارون للإغارة على قرى الفلسطينيين، واختير لهذه المهمة فسافر إلي غزة وبدأ في تكوين شبكة فدائية واسعة تنتشر في أنحاء الأراضي المحتلة، وخلال أعوام 1955 و1956 سببت العمليات الفدائية التي قادها مصطفي حافظ ذعرا كبيرا للإسرائيليين، لأنها كانت تطول مستوطنات في اللد وتل أبيب ووصلت إلي العمق وخلف الخطوط، وفشل شارون فى النيل منه مما جعل مهمة التخلص منه تنتقل إلى المخابرات الإسرائيلية بجميع فروعها وتخصصاتها السرية والعسكرية. كان هناك خمسة رجال هم عتاة المخابرات الإسرائيلية كلفوا بمهمة تصفية "الرجل الظل" مصطفى حافظ ورصد للعملية مليون دولار وهو مبلغ ضخم جدا فى هذا الوقت، إلا أن الأمر لم يكن سهلا فعجزوا عن معرفة مكانه وتم تنفيذ أكثر من عملية لاغتياله بالهجوم المباشر والإنزال الجوي والبحري، أو السيارات المفخخة. لكنها فشلت لانه يغادر المكان قبل لحظات أو يكتشف الإسرائيليون أنهم كانوا يجرون خلف سراب. اهتم "حافظ" بتنسيق الجهود مع الفدائيين الفلسطينيين علي الجبهة السورية مما أدي لتطور في حجم العمليات التي ينفذها الفدائيون داخل إسرائيل حتي وصل المعدل إلي أكثر من عملية يوميًا. كان شعار أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مصطفي حافظ مطلوب حيًا أو ميتًا، مما دفع جمال عبد الناصر لتحذيره خلاله زيارته إلى غزة قائلا: "خلي بالك يا مصطفي من الخونة، مصر تريدك بشدة".. وكان هناك قرار قد صدر بالفعل لإعادة "حافظ" ليتولي رئاسة جهاز المخابرات العامة الوليد في مصر، والذي شكل بعد اكتشاف قضية لافون وفي وقت تجنيد رأفت الهجان وكانت متابعة ذلك تجري بخليط من المباحث الجنائية والمخابرات الحربية. لكن القدر لم يمهل مصطفي حافظ. كانت خطة الاغتيال أن تتم تصفية مصطفي حافظ عن طريق طرد بريدي به عبوة ناسفة، ولأن حافظ لا يفتح الطرود بنفسه تم البحث عن سبب مقنع يدفعه إلي ذلك. فتم اختيار عميل مزدوج يدعى "سليمان طلالقة" كان الإسرائيليون يعرفون أنه يعمل مع مصطفي حافظ، فأسروه وأطلقوا سراحه بشرط أن يعمل لحسابهم كعميل مزدوج، وأفهموه أن قائد شرطة غزة وقتها "لطفي العكاوي" يعمل لحساب الموساد وهو أحد كبار المناضلين ضد الاحتلال، ولذا تم إرسال الطرد إليه بدلا من مصطفى حافظ، مدعين أنه يحتوي علي كتاب يحمل شفرة الاتصال معهم، مما سيثير "طلالقه" فيأخذه على الفور إلى "حافظ" الذى لم يتردد فى كشف ما فيه لمعرفة علاقة هذه الشخصية بالموساد. وحسب تقرير لجنة التحقيق المصرية التي تقصت وفاة مصطفي حافظ بأمر مباشر من الرئيس جمال عبد الناصر، فإنه في 11 يوليو عام 1956 في ساعات المساء الأخيرة جلس مصطفي حافظ علي كرسي في حديقة قيادته في غزة، وكان قد عاد قبل يومين فقط من القاهرة، وكان يتحدث مع أحد رجاله عندما وصل إليهم العميل الذي كان يعرفه حافظ، لأنه سبق أن نفذ ست مهام مطلوبة منه في إسرائيل. وروي العميل لحافظ ما عرفه عن قائد الشرطة وهو ما أزعج مصطفي حافظ، فقرر أن يفتح الطرد ثم يغلقه من جديد ويرسله إلي قائد الشرطة، وبمجرد أن فتح الغلاف سقطت علي الأرض قصاصة ورق انحني لالتقاطها وفي هذه الثانية وقع الانفجار. في الخامسة من صباح اليوم التالي استشهد مصطفي حافظ متأثرًا بجراحه، وأصيب أحد ضباطه بإعاقة مستديمة، بينما فقد العميل بصره، واعتقل قائد الشرطة لكن لم يعثروا في بيته علي ما يدينه. بعد هزيمة 1967 كان الصهاينة يحطمون صور حافظ المنتشرة في الشوارع والمنازل والمقاهي، وكان الفلسطينيون يجمعونها ويلفونها فى أكياس كأنها كفن ويدفنوها تحت الأرض وهم يقرؤون على روح صاحبها الفاتحة فهم لا يدفنون صورة وإنما يدفنون كائنا حيا.